السبت, 15 ديسمبر 2018 03:27 مساءً 0 451 0
صدق أو لا تصدق.. شبح العطالة يطارد الخريجين...
صدق أو لا تصدق.. شبح العطالة يطارد الخريجين...

الخرطوم: قمر فضل الله

 

صدق أو لا تصدق خريجون يحملون شهادات من جامعات معترف بها يمارسون أعمالاً هامشية بسبب ضيق فرص العمل والمحسوبية والمحاباة في الوظائف كما يرى بعضهم. خريجو اقتصاد باعة مياه وكمساري يحمل بكالريوس في القانون وبائعة شاي خريجة إعلام وما خفي أعظم.   يحاول الخريجون جاهدين قتل شبح العطالة بالولوج لسوق العمل ضاربين بشهاداتهم عرض الحائط، حيث أصبحت البطالة واحدة من أهم مشكلات التنمية الاقتصادية في البلاد، وقد ظهرت آثارها السالبة على المستويات الاقتصادية بفقدان العامل البشري إما بالهجرة أو عدم الاستفادة منه.  ومن الناحية الاجتماعية فهي تمهد للجرائم مثل الإدمان والقتل والاغتصاب، فيما أرجعها عدد من المراقبين إلى انتشار المحسوبية وعدم موائمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، (أخبار اليوم) وقفت عند هذه الظاهرة وخرجت بهذه الحصيلة.

 

هندسة وكندشة
بداية كان لحديث الخريجة أشواق قسم السيد التي درست هندسه بترول بجامعة النيلين وقع كبير على نفوس المستمعين وهي تحكي قصتها مع البطالة التي امتدت لسنوات، حيث استهلت حديثها قائلة: عندما تم قبولي في هذا التخصص كنت أمني نفسي بوظيفة تريح بالي وتسعد أهلي الذين ينتظرون ذلك بفارغ الصبر، أقمت احتفالاً كبيراً بالتخرج وأديت الخدمة الوطنية ضريبة للوطن بعدها قدمت في كل الوظائف التي طرحت، طرقت أبواب الشركات الخاصة العاملة في هذه المجال ولا جدوى، أصبحت حبيسة المنزل واستسلمت لشبح العطالة ولكن الظروف الاقتصادية الراهنة وغلاء المعيشة دفعني للخروج لممارسة أي عمل لمساعدة أسرتي، وبالفعل عملت في إحدى المدارس الخاصة  لكن دون جدوى، الراتب لا يكفي قيمة المواصلات، فضلت أن أقوم بإعطاء دروس خصوصية بالمنزل وواصلت فيها ورميت شهادتي التي كنت افتخر بها، وأحلم بالمكاتب المكندشة مع تخصص الهندسة.
محسوبية ووساطة
ويقول محمد صالح والعبرة تخنقه: نحن كشباب نعاني من ضيق فرص العمل المتاحة في وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة، فمنذ أن تخرجنا في الجامعات المختلفة التي تخرج سنوياً آلاف الطلاب والطالبات، ظللنا في رحلة بحث عن وظيفة عبر مكاتب العمل المختلفة، لكن سئمنا وبمعنى أصح قنعنا من فوزنا بإحدى الوظائف المطروحة؛ لذلك اتجهنا إلى أعمال أخرى بعيدة جداً عن التخصص الأكاديمي الذي درسناه  سنين طويلة في الجامعات، لذلك نجد معظم الخريجين يعملون في وظائف هامشية مثل عربات النقل والركشات والأمجادات وفي الأسواق عبر عدد من المهن المختلفة، ومن أراد منهم كسب الزمن واختصار المسافات وتساعده الظروف على الاغتراب يريح رأسه من همّ البحث عن وظيفة في السودان، بصراحة أكثر أقولها وأوجهها كرسالة للقائمين على أمر الدولة بأن أي شاب لا يملك واسطة لن يجد وظيفة شاغرة،  وإذا وجدها فإنها لا تلبي طموحه في بناء نفسه وتكوين أسرة صغيرة خاصة به أو حتى مساعدة أسرته التي سهرت وتعبت على تربيته وصرفت عليه طوال فترة الدراسة.
معلمة متألمة
وأضافت شادية عبدالجبار خريجة كلية التربية: رغم كثرة وظائف تعيين المعلمين التي تعلن إلا أنني لم أجد حظي، لأن أغلب هذه الوظائف تعطى بالواسطة والمحسوبية، فاتجهت للعمل الخاص ولم أجد تقويماً في كل المدارس التي تقدمت للعمل فيها وفضلت البقاء في المنزل أملاً في الحصول على فرصة تعيين في المدارس الحكومية.
شر السؤال
يقول إيهاب علي تخرجت منذ العام 2008 وبدأت فور تخرجي في البحث عن وظيفة تكفيني شر سؤال أسرتي التي اجتهدت كثيراً وعانت ما عانت من أجل إكمال دراستي الجامعية، بدأت رحلة البحث المضني عن وظيفة بطموح كبير إلا أنني صدمت بواقع مرير دخلت أكثر من 9 معاينات لوظائف خاصة بلجنة الاختيار ثم قدمت شهاداتي لأكثر من 15 شركة من القطاع الخاص وكل الذي وجدته فترات عمل مؤقتة لا تتعدى الثلاثة أشهر، وحتى الآن لم أجد وظيفة، ندبت حظي ولجأت للعمل الحر حيث أعمل «كمساري» في المركبات العامة، ورغم المعاناة الكبيرة التي أجدها إلا أنني أحمد الله كثيراً على حفنة الجنيهات التي أجدها يومياً وأعطيها لأسرتي للمساعدة في تسيير شؤون المعيشة اليومية، وعبركم أرسل نداءً عاجلاً لوزارة العمل بضرورة طرح المزيد من الوظائف الحكومية عبر لجانها المختصة بذلك.
استياء وسخط
وعبّر عدد من الخريجين عن استيائهم وسخطهم التام من ضيق فرص العمل، وعابوا دور اتحاد الشباب الوطني وصندوق تشغيل الخريجين، وأكدوا أن الفرص الممنوحة فيه تعطى للخريجين المنضوين تحت لواء الحزب الحاكم، ومن لا يملك واسطة أو تزكية لن يجد فرصة، وأكدوا أن أكثر من 80% من الخريجين يعملون في أعمال هامشية كعمال بناء وباعة متجولين.
إعلامية بائعة شاي
وكانت الفاجعة الكبرى عندما وجدت الشابة إكرام وهي تجلس أمام واجهة إحدى المستشفيات تتجاذب أطراف الحديث بلباقة فائقة مع زبائنها تدل على ثقافتها العالية ولم أتردد لحظة في الجلوس إليها وسألتها قائلة: أنت  خريجة،  أجابت: نعم، نلت بكالريوس الإعلام تخصص إذاعة وتلفاز بدرجة الشرف، وتدربت في بعض الإذاعات ولم أجد وظيفة ثابتة وراتب أساعد به والدتي التي أفنت عمرها في سبيل تعليمنا بعد وفاة أبي، عملت بالتدريس الخاص ومندوبة مبيعات، وعندما وجدت العائد ضئيلاً جداً نزلت للشارع وعملت ببيع الشاي والحمد لله (أموري مستورة) والآن أساعد في تعليم إخوتي الصغار والعطالة مشكلة أضحت متجذرة يصعب حلها.
عدم توافق
وتقول فائزة حسن الباحثة النفسية: تؤدي البطالة  إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية، فمثلاً يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضاء والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم، كما أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة المالية التي تنتج عن البطالة .
آثار سلبية
 وترى إيمان الطيب  باحثة اجتماعية  أن البطالة نتج عنها عدد كبير من الآثار السلبية في حياة الفرد والمجتمع، ومن أبرزها  رغبة العاطل في العزلة والوحدة وشعوره بخيبة الأمل، ويصبح عرضة للإصابة بالمشكلات النفسية مثل الاكتئاب.
انتشار الجرائم كالسرقة والاعتداءات، هناك علاقة ديناميكية بين البطالة والجريمة فكلما انتشرت البطالة زادت الجرائم، وذلك لأن العاطل يزداد شعوره باليأس والضياع ويصبح من السهل عليه ارتكاب الجرائم.
تأخر سن الزواج وزيادة نسبة  العنوسة في المجتمعات.
جذب الاستثمار
وقالت إنصاف بلة خريجة اقتصاد جامعة الخرطوم: يجب على الدول أن تسعى لجذب مزيد من المستثمرين ومنحهم التسهيلات المناسبة.
 كما يجب أن تمنح الشباب فرصة للتدريب حتى يصبحوا أكثر قدرة على أداء المهام المطلوبة منهم،
, العمل على رفع مستوى التعليم، وذلك بتطوير المناهج في مختلف المراحل الدراسية لإعداد كوادر قادرة على مواجهة تحديات سوق العمل.
 توعية الشباب بضرورة تقبل فرص العمل المتاحة أمامهم، وعدم التمسك بالحصول على فرصة عمل محددة، ومحاربة ثقافة العيب التي تجنب الفرد استثمار الكثير من الفرص باعتبار أنها غير مناسبة له.
يقع على عاتق الأسرة مسؤولية كبيرة وهي تنشئة الأبناء على حب العمل وتحمل المسؤولية.
يجب أن تضبط الدول سياسة الأجور والمرتبات، فهناك فئة من الموظفين تحصل على رواتب مرتفعة لا تتناسب مع جهدها؛ لذلك يجب على الدولة أن تخفض رواتبهم ليصبح لديها فائض تقوم باستثماره لتأسيس مشروعات توفر فرص عمل للشباب.
يجب أن يتم تعاون مشترك بين القطاعين العام والخاص، وذلك من أجل توفير فرص عمل للشباب.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق