الأثنين, 18 فبراير 2019 01:44 مساءً 0 299 0
مجانية التعليم والعلاج من أين ولمن وكيف؟ (1-2)
مجانية التعليم والعلاج من أين ولمن وكيف؟ (1-2)

موارد البلاد يجب تطويرها لمنفعة جميع العباد بالنصرة و العدل.مع مراعاة الفروق والفروقات التى تنتج من اختلاف اجتهادات الأفراد و الموارد المتاحة و مع مراعاة ان الدولة مسؤولة تماما عن اتخاذ التدابير المطلوبة لرفاه الجميع.اتفق الفكر الحديث و السابق ان تلك مسؤولية الدولة و لكن هذا لا يلغى دور الأفراد و الجماعات.
٢. الجميع الان يطالب الدولة بتوفير الأساسيات اللازمة لكل ذلك.
هذا امر طبيعي و لكن لا بد من تقييم و تحديد ما هو المطلوب و النتائج المرغوبة و ما هي تكاليف ذلك و مقتضياته المادية و المالية و التقانة و الأفق الزمن الملزم لذلك و أنظمة المتابعة و القياس المستمرة للتقييم و التدخل ان لزم و بأي قدر و استباق الاحتمالات الناتجة السلبية و الإيجابية و كيفية التحوط للتعامل معها قبل وقوعها و التحسب للمقاومات والمصدات. و هذا ما يعرف عندنا بالتخطيط الديناميكى الاستباقي الشامل خلافا لمنهج التخطيط الاسترجاعات الاستتباعى.
الدولة عندنا هنا يطالبها الجميع بالخدمات و هو امر مشروع و لكن له لوازم.نحن نطالب الدولة بتوفير التعليم العام و قامت الدولة بالتوقيع على برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من ٢٠١٦ و حتى ٢٠٣٠ بأهدافها السبعة عشر ليحل محل الأهداف التنموية الثمانية للألفية الثالثة .و من اهم تلك الأهداف التعليم العام كميا و نوعيا و وظيفيا و بعدالة للجميع ريفا و حضرا و بادية.الكثيرون ينادون بمجانية التعليم وزيرة التعليم العام اﻻستاذة مشاعر احمد اﻻمين الدولب،الوزيرة السابقة للضمان الاجتماعي قالت ان مجانية التعليم الآن مستحيلة او غير ممكنة.و كلاهما على حق و لكن هنالك أمران غائبان او غير واضحان فى النقاش و الجدال الدائر حول مجانية التعليم و الخدمات الأخرى خاصة الصحة العامة و العلاج.اولا لكل خدمة او سلعة تنتج تكلفة و هي بهذا غير مجانية.الأمر الآخر هو المستهدفين بتلقى التعليم و العلاج و هم التلاميذ و المرضى.اذا أردنا ان يتلقى التلاميذ التعليم بدون تكلفة فهذا مستحيل لأنه بدون تكلفة فلا يوجد. و المقصود طبعا انه بدون ثمن مباشر يدفعه التلميذ فى مؤسسات التعليم العام .و هذا حق و مطلوب و مرغوب و ممكن.و السؤال من يغطى التكلفة ؟و من أين و كيف؟
الذى يغطى التكلفة قطعا المقصود انها الدولة و لكن كيف و من أين لها ذلك و ممن ؟
الجميع يعلم ان موازنة الدولة عانت من عجز مستدام لأسباب تتعلق باختلالات هيكلية فى السياسات المالية و النقدية و الاستثمارية و التجارية للدولة.
مؤخرا قامت الحكومة برفع سعر الوقود الذى أسمته الوقود التجاري و هذه تسمية مبتدعة فلا يوجد وقود تجارى او غيره بالوقود سلعة عالمية تكلفتها معروفة و يمكن لأي احد ان يطّلع عليها تفصيلا على مدار الساعة و بأنواعه المختلفة من خام برنت او عمان او تكساس او العربي الخفيف و غير ذلك و هو يتأرجح الان فى حدود الستين دولارا للبرميل و اما متوسط الأسعار العالمية للوقود فهو حوالي سبعين سنتا للتر اي ثلاثة دولار للجالون .و يختلف سعر البيع من بلد لآخر حسب التكاليف و الضرائب و يصل فى النرويجي هونج كوني الى اكثر من تسعة دولارات للجالون.
و يباع هنا جالون البنزين بسبعة و عشرين جنيها و الجازولين باثنين و عشرون جنيها.و مؤخرا رفعت الحكومة سعر ما أسمته بالوقود التجارى الى تسعة و ثمانين جنيها للجالون .و هذا بالكاد يغطى نصف التكلفة التى يدفعها المواطن من موارده لتقوم الحكومة بدفعها نيابة عنه او فى شكل ديون على الأجيال القادمة .الخطوات والإجراءات غير الشاملة و فى إطار سياسات شاملة لإصلاح الاختلالات الهيكلية لن تجدى.و مثل هذا القرار يحتاج لأكثر من سياسة و إجراء حتى يجد القبول. و أرى انه على الدولة ان تصارح المواطنين بكم التكلفة الحقيقة لذلك و ما هو المطلوب لإزالة العجز.و من أين نبدأ.الأولى ان تبدأ الدولة بنفسها.كم تمتلك من سيارات و ان تقوم ببيع ثمانين الى تسعين بالمائة منها و لنفترض ان العائد حوالي ترليونا من الجنيهات فإذا قامت بتوزيع ربعه على المدارس و ربعه للمراكز الصحية و ربعه لآبار المياه و ربعة للاستثمار فى النقل العام. الا يخلق هذا مناخا داعما او متفهما رفع الدعم عن الوقود و أفضل الأعمال ان تبدأ بنفسك.و سؤال محوري من يدعم من و لماذا؟
٣.لا بد من وضع خطة شاملة مفصلة تشمل سلاسل زمنية و التلاميذ المستهدفين فى كل سنة من سني الخطة و ما هو المطلوب من الموارد لتحقيق النتائج المطلوبة من موارد مادية و بشرية و مالية و تقانية و التأكد من تحقيق النتائج المرجوة و بالجودة المطلوبة و ضمان الاستدامة و العدالة أفقيا و راسيا اي فى الأقاليم و المجموعات السكانية.بعد ذلك يتم حصر المتاح الآن عند بداية الخطة بإجراء دراسات و مسوحات للواقع Base Line Surveys. الناتج يحدد الفجوة الموردية للخطة و على نسقها الزمني المقترح .بعد هذا يتم دراسة من أين تأتى الموارد المطلوبة؟جزء من الموارد المطلوبة لسد الفجوة يمكن ان يتوفر جزء منه من إعادة هيكلة الدولة و إيراداتها و مصروفاتها المختلفة.ان لم تفى بهذا الغرض...اي ..التعليم بدون سعر مباشر لجميع المتلقين و غيره من أهداف التقنية المستدامة فلابد ان يتم التفكير فى سد الفجوة و بالإجابة على السؤال المباشر ممن تؤخذ تلك الفجوة. و هذا سؤال الجميع يتجنب الإجابة المباشرة عليه و الهروب منه .و فى الدول المتحضرة و السياسيين و المشرعين و التنفيذيين المسؤولين لا يتهربوا من الإجابة بل يواجهونها بأقصر الطرق. فى الكونغرس الامريكى و هو مثال للمسؤولية التشريعية لا يسمح بطرح اي مشروع قرار على المجلس ما لم يقوم المتقدمان به فى مجلس الشيوخ و النواب باقتراح ممن تؤخذ الأموال المطلوبة عبر لجنة الطرق والآليات Ways and Means Committee. مع العلم ان متوسط الضرائب التصاعدية المباشرة على دخول الأفراد و أرباح الأعمال و التى تقدر بإجمالي نسبة ٢٧-٣٠٪‏ من الناتج المحلى الإجمالي . مع العلم ان نسبة إيرادات الدولة هنا من الضرائب و المنح و الإيرادات الأخرى لا تصل الى ما نسبته فى أفضل الحالات الى ما يقارب الاثنين بالمائة من الناتج المحلى الإجمالي.فى الولايات المتحدة الأمريكية الضرائب لا تستثنى احدا بما فيهم رئيس الجمهورية و ليس هنالك إعفاءات او امتيازات لأي كان الا إعفاء نثرية رئيس الجمهورية و هي مائة الف دولار فى العام مرة واحدة فى السنة و ليست لأحد سواه فى الولايات المتحدة الأمريكية و التى يزيد حجم ناتجها المحلى الإجمالي عن العشرين ترليونا من الدولارات.
و نواصل ان شاء الله

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق