السبت, 23 مارس 2019 02:56 مساءً 0 267 0
أفق بعيد
أفق بعيد

تشومسكي : الحقائق صادمة ومفزعة

إيهاب عبدالعزيز

في كتابه (النظام العالمي الجديد والقديم) يبحر بنا نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي الشهير وأستاذ اللسانيات، برحلة عميقة جدا في صلب الرأسمالية المعاصرة، وما أسماهم بعصابة المستثمرين الدوليين، ربما تكون الدلائل العامة للكتاب معلومة بحكم الانتشار لوسائط التواصل الإعلامي المعاصر، لكن التفاصيل الدقيقة جدا والخلفية التاريخية هي مما لا يمكن الحصول عليه بسهولة إلا في مثل هكذا كتاب لباحث متمكن مثل تشومسكي، والأمر المحزن حقا أن فصول هذه الملهاة الدولية لا تزال ماثلة أمامنا بكل تفاصيلها الدموية، في استعباد المزيد من الأطفال بتجارة السلاح والأعضاء والجنس والاستثمارات التي تجني أرباحها ما أسماهم هو بعصابة المستثمرين الدوليين، في حين أن الدول التي يدعى أنها معجزة مثل البرازيل والهند وتبعا لآليات السوق الرأسمالية الطاحنة، يموت فيها الآلاف من الجوع، وتنهب الأراضي الزراعية بدواعي الفائدة الإمبريالية بالطبع، حيث استقصى تشومسكي في بحث دقيق ومحكم، كيفية استبدال زراعة الأرز والمحصولات المفيدة للسكان في البنغال بالحشيش والأفيون لأن البريطانيين وقتها وجدوا أن زراعة الأفيون أفيد لهم، حتى ولو مات السكان الأصليون من الجوع، وهو ما حدث فعلا.
تحكم هائل للأقوياء، بالطبع على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة على مؤسسات القروض والمنح الدولية، تطبيقا لوصفات جاءت غالبها في بلدان أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وإفريقيا بنتائج كارثية حسب تقارير المنظمات الدولية نفسها، فلم تشفع كل هذه الإصلاحات المزعومة في بناء دولة رفاهية حقيقية حتى في الدول الموالية مثل نيوزيلندا -حسب تشومسكي- بل حفزت المال سلطويا في أيدي الفئة القليلة، وهي الفئة الحقيقة المخدومة بالديمقراطية الأمريكية المزعومة.
الحقائق والوثائق في الكتاب صادمة ومؤلمة جدا، ولا يبدو في الكتاب كثير فرق بين نظام عالمي جديد أو قديم، طالما الأمر يخدم عصابة المستثمرين الدوليين حسب تعبير تشومسكي ؛ التي لا تكف عن طلب المزيد من القرابين، عبر عبودية الأطفال والعمال والهياكل العظمية التي تملأ الحقول في الهند من فرط الجوع والموت وتركز السلطة والدخل في أيدي القلة المتحكمة، والحقيقة أن النظام واحد تتقاسم فيه القوى الاستعمارية أمريكية أو بريطانية قائمة سوداء من التخريب الذي طال حياة البشر في العالم، ودمر حضارات كانت آمنة وثابتة وفق منظومة مسالمة وهادئة.
 قيادة التحرر من قيود مثل هذه قد يكون طويلا على مستوى الأمم والأفراد، لكنه بالطبع سيأتي لأنها دينامكية الحياة التي تأبى التوقف عند نقطة واحدة من العار والخداع. 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق