السبت, 23 مارس 2019 03:00 مساءً 0 265 0
قصة قصيرة
قصة قصيرة

الهادي عز الدين

دآو أسم بلغة الدينكا ويعني الطفل البديل  .
تملكني القلقْ ، وإجتاح دُنيـاي السعيدة ، فخرجتُ حزيناً لعلي أطرد تلك الرؤى الرمادية من حياتي ، من الشقة نزلت ، بدَأً من الطابق السادس ، حيث أسكن ، وتسكن معي الطمأنينة طيلة أيام السنة ، أكتب وأقرأ أوأعزف على ألة الكمان التي عشقتها في آخر اللـيل وقت هدأة النفوس المُتعبة ، فتخرجُ الألحان رتيبة ، هذه الشقة التي أسكنها بجسدي وتسكنني بالهدُوء ، تسللت ذات مرة ذبابة ودخلت الشقة ، فطاردتهُا من غرفة لأخرى خوفاً عليها من موت الوحدة ، لكنها رفضت الخُروج و ماتت في يومها الثالث من الشيخُوخة ،  أمـد يـدي وأخـذُ كتاباً فتنزلُ الكلمات دوماً مثل المطر وتغزو فكـري المُتعطش للحروف ومعانقتها ، الأيام تجري بسرعة يا صديقي  ، هذا كلهُ لم يعُد يهم ، فقد بدأ الشيبُ يغزُو السواد في رأسي ويطردهُ ، نزلت طابقاً تلو طابق  ، حتى وصلتُ للطابق الأرضي  ، لم يكن هناك أحد على الأطلاق الجميع نائمون ، ربما برودة الجو هي السببَ ، عم حسن البواب توارى خلف غرفته تحت السلم من الصقيع البارد وذهب في ثُبات عمَيق متدفئاً وحالماً بحلم جميل.
لأباس ، مضيتُ قاطعاً المسافة بين العمارت الصامتة مشـياً على الأقـدام ،  خَـلا الشارع إلا من بعض الهسيَس القادم بفعل الريح ، أومواء قطة عندما تقفز من ذكرها وتتوارى خلف العششٌ خجلة من الأنظار مسُتلذة بذاك الفعل الجميل ، قاهـرة المُعـز أحبها جداً ، لا لا بل صرتُ أعشقها  ، برغم برودة جوَها في فصل الشتاء الطويل ، الأ أن البهجة في الروح تعلن عن نفسها وتكبر يوماً بعد يوم مع بداية الربيع ،  هذا الحي الشعبي العتيق في أطراف القاهرة يسكنه الفقراء و طيبٌو القلوب من الناس   .
صعدتُ على ظهر العربة الواقفة  في محطة المدق ، وجلست في رُكن الكنبة فاركاً يدي فركاً  ، مولدا طاقة من الدفء ، تحركتْ العربة وهي تئٍن من حملها ومن نفسها  ، المرأة الضخمة الجالسة أمامي ، وبجوارها فتاة ترتدي جينز ضيق ، ويلتف حول صدرها الضخم ثعبان فاتحاً فمه نحوي   .
الطفلة منكوشة الشعر جالسة  على حجر المرأة الضخمة  ، مدت يدها تُداعبني ، مددتُ يدي إليها فإذا بالمرأة الضخمة تسحب يد الصغيرة بسرعة وتؤنبها فتصمت العربة الأ من بعض الأزيز الصَادر من حركة العربة و أجزائها المُنهكة طوال النَهار   .
أخيراً وصلنا محطة المترو ، قبل أن أنزل دسستُ باقي الأجرة في يد الطفلة الصغيرة فأبتسمت  ، جلستُ في عربة المترو أتصفح الوجٌوه التي تجلس أمامي في هدوء تام  ، باحثاً عن تلك النكتة وروح الدعابة في  الوجوه التي شاهدتها و أنا طفل في وجوهُ الممثلين المصريين وعمالقة الفن أمثال فاتن حمامة فشعرتُ بالأسى   .
في محطة الأسعاف ، دخلتٌ كنيسة القديس المبُجل سانت أندرو  ، القيت التحية على حُراس الأمن السوداني والمصري  ، كانت الكنيسة قد خرجت من قُداس الجمعة  ، تفرق المؤمنيَن في الواجهة الأمامية والمْمر الطويل إنتهاءً بالجلوس على النجيل الصناعي الأخضر المفروش بعناية في واجهة المدخل  ، خميسة و أنقير ، فتاتتان طيبتان  ، القيت السلام عليهن وداعبتهن ببعض الكلمات اللطيفة الأنيقة فأبتسمتا  ، في أخر الممَر الضيق جلست المرنمة نياموم وبجوارها يوحنا صامتاً  ، سألتني نياموم بذكاءها المذهل عن سبب غيابي من الصلوات ، أجبتها بصدق دون تردُد بعدم فهمي للغة القُداس ، فرأيت حاجبيها يرتفعان لأعلى من الدهشة ، و ددتُ أن أقول لها أنت فتاة ذكية ويعجبني ذلك لكنني لم اقول ، ومشيتُ حتى وصلتُ باب الصالة ، وجدتُ أتـيّــان الشابة الهادئة فعرفتني بأختها فلورا ، فأنبتها لأنني أول مرة أرى فيها أختها لكنني على كل حال أعربتُ لها عن فرحي و أمتناني بمعرفتها    .
داخل الصالة التي تفرق فيها عشرات المؤمنيَن على الطاولات ، في طاولة جلست ألونـق بجوار صديقتها أديــوُ التي لا تفارقها أبداً ، جلستُ بجوار القديسَة المُباركة إبتــهَاج التي تسعدني رؤيتها على الدوام أو حينما تنشر هي البهجة في المكان ، صامتاً أمجد الرب وميموناً أستقبل الكلمات الطيبات ، التي تخرج من فمها ، مزهواً بدوائر الطاولات التي يلتفُ حولها مؤمنـيَن مُبـاركين ، تحدثت القديـسة إبتـهَاج عن الإصحَاح الخامس عشر لأنجيل متىَ ، وتهيـبَ الجميع للإستماع والإستمتاع بروح الحديث المبُـارك ، أسـهبت في حديثها ، وإبتدرتُ أنا سؤالاً لكنني منعاً لتشتيت بال المؤمنـيَن صمتُ ، التفتت نحوي وهي تتكلم لتتأكد من متابعتي ، وفتحتُ عينيَ وأنا أشكر نعمة الرب إذ منَ علي بنعمة السمع ، فإذا بها تعـُود وتُواصل حديثها ، و أغمضُ عيني مرةً ثانية ، وفي غمرة صلاتي نظرتُ للأسفل تأدبـاً وتهيـباً ، في أثناء جلسـَتنا مرت المُرنمـة أدآو و في يدها كباية شــاي ، ناديتٌها وخطفتٌ كباية الشــاي من يدهـا فعادت لتجلب اُخرى برضٌى وطيبٌ نفس ،  لكنني ناديتُها وبينما أنا أتذوقهُ لأعيدهُ ليدهـا مرةً ثانيـة مُداعبـاً قلت لها ، أنا نفسي في كبايتك وليس الشــاي ، فأبتسمت أداوآ من الفـرح وهي تأخذ كباية الشــَاي تلأحـق بصديقتها نــُورا وهُـنَ حبائس ضحكات مكتُومة ، بينما التفتت المُباركة إبتــهَاج لتـرى ما يحدثُ حولها  .

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق