السبت, 30 مارس 2019 02:38 مساءً 0 276 0
وحدة تنفيذ السدود.. فك الشفرة
وحدة تنفيذ السدود.. فك الشفرة

الباحث في مجال السدود إبراهيم يس شقلاوي يكتب لـ(أخبار اليوم)

 

نعلم أن الدولة تنشئ كثيراً من المؤسسات بمفاهيم استثمارية بغرض الربحية ودعم الاقتصاد والتنمية؛ لذلك يكون لزاماً على هذه المؤسسات إنجاز المطلوب وفق الدور والمحددات وإلا ستكون فاشلة لأنها لم تحقق المطلوب من إنشائها، كما أن الدولة تنشئ كذلك مؤسسات بغرض استدامة التنمية وتوظيف والموارد وتحريك عجلة الإنتاج وخدمة إستراتيجياتها في الأمن الاجتماعي والاقتصادي وربما السياسي أيضاً؛ لذلك وجب الحديث عن وحدة تنفيذ السدود التي تمثل إرادة الدولة في التوجه نحو التنمية واستدامة الموارد، وقد لعبت دوراً مهماً في التحول الاقتصادي والاجتماعي.
طريق المخاطر والتحديات
قطعاً لم يكن الطريق مفروشاً بالورود أمام وحدة تنفيذ السدود، وقد وضح ذلك في إنشاء أول مشروع تنموي متعدد الأغراض في وقت أحكم فيه الحصار الاقتصادي على البلاد قبضته وعز فيه الصديق، ولعلي أعني هنا مشروع سد مروي الذي لعب دوراً مهماً ومحورياً في دعم موقف إنتاج الكهرباء في السودان وذلك بتغذية الشبكة القومية بأكثر من 60% من إجمالي الكهرباء المنتجة بالبلاد، وهذا كان بمثابة تحول حقيقي في تاريخ البلاد الحديث.
وبرأي الكثيرين ممن عرفوا أو تعرفوا على طبيعة العمل في وحدة تنفيذ السدود ما كان لهذا المشروع أن يرى النور، لولا عزيمة شباب مخلصين من المهندسين والفنيين والإداريين، والعمال والسائقين، الذين ما عرفوا لغة الدوام أو التقيد بساعات العمل الرسمية  أو أخذ قسط من الراحة بالعطلات المعلومة، ولعل الجزئية الأخيرة تمثل رقماً من أرقام شفرة النجاحات التي حققتها وحدة تنفيذ السدود في وقت وجيز، وهي تضرب الأرض في صخور صماء لتجدد العزم بهزيمة المستحيل، فكان ميلاد سد مروي أكبر مشروع تنموي في تاريخ السودان الحديث، وصاحبته مشروعات حيوية في مجال البنى التحتية من طرق وكبارٍ ومطار ومرافق صحية ودور للعبادة والترفيه والتراث لحفظ تاريخ المناطق المتأثرة، ومشروعات زراعية تمددت بمساحاتها الخضراء بعد أن أنشئت في أراضٍ بكر لم تستزرع منذ أن خلق الله الخليقة، فأخرجت الأرض قمحاً ووعداً في أمري والحامداب والمناصير الجديدة.
لم تنكفئ الوحدة على ذاتها وهي تحقق حلم سد مروي الذي طال انتظاره بل كانت تنظر بعين فاحصة إلى الأمام.
الخبرات السودانية على المحك
اعتمدت وحدة السدود في جميع أعمالها على لجان وطنية من الكفاءات (لجنة الخبراء الوطنيين بقيادة بروف دفع الله الترابي واللجنة العلمية بقيادة البروف يوسف فضل حسن) فشمرت بسواعد الجد  لمشروع لا يقل أهمية عن الأول فكان ميلادها الثاني "بتعلية خزان الروصيرص" الذي ارتفعت بموجب ثمرات تنفيذه السعة التخزينية للمياه بالسد من 3 مليارات إلى 7.4 مليار متر مكعب.
هذا بجانب الترتيبات التي تمت بإعادة توطين المتأثرين من قيام المشروع وذلك بإنشاء عدد من المدن، توفرت فيها خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والمدن السكنية للمتأثرين بتعلية سد الروصيرص البالغ عددها (12) مدينة منها (5) مدن بالضفة الغربية و(7) بالضفة الشرقية حيث تضم (22) ألف أسرة.
مرحلة جديدة لمواكبة أطروحات الدولة في الاستقرار
يأتي مجمع سدي أعالي عطبرة وسيتيت الابن الثالث لوحدة تنفيذ السدود الذي رفد الشبكة القومية حالياً بـ320 ميقاواط من الطاقة النظيفة كأكبر مشروع تنموي بشرق السودان، وكان مفتاحاً للتنمية التي لامست تطلعات أبناء السودان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي، وقد صاحب ذلك تنفيذ مشروع آخر لا يقل أهمية عن مشروع السد وهو مياه القضارف الذي من المتوقع إكماله في غضون العام الحالي، حيث يعمل المشروع على إمداد مدينة القضارف وما حولها بـ75 ألف متر مكعب من المياه يومياً، وبهذا المشروع تكون  القضارف قد ودعت العطش إلى غير رجعة، ويتوقع كذلك أن تلعب الولاية من خلاله دوراً كبيراً في اقتصاد البلاد وأمنها.
الدولة تعلن صفرية العطش وتوكل الأمر لوحدة السدود
بهذه الديناميكية في الأداء والمسيرة الممتدة من العطاء في مسيرة لم تخل من الأشواق والأشواك عززت الدولة من ثقتها في وحدة تنفيذ السدود بعد أن أوكلت إليها ملفاً آخر لا يقل أهمية وهو توفير مصادر دائمة لمياه الشرب بجميع الريف السوداني فكان مشروع "زيرو عطش" الذي سبقته الوحدة بإعداد أطلس للمياه بينت من خلالها مناطق العجز المائي في كل السودان بتصنيف دقيق نفذت عبره آلية محكمة في التنفيذ، وفقاً لطبيعة الأرض واحتياج المنطقة لتعدد خيارات المصادر المائية الدائمة ما بين حفير  أو سد  أو بئر أو محطة مدمجة، وهو مشروع إستراتيجي نفذت فيه الوحدة حتى الآن أكثر من 47% بواقع 2700 مشروع من جملة 7500 مشروع، ومن المقرر أن ينتهي المشروع  في العام 2020م.
 مما سبق يصح القول إن وحدة تنفيذ السدود ـ لمن يبحث عن شفرة الأداء المتميز بداخلها  ـ أشبه  بالبنيان المرصوص وذلك من واقع عقول قياداتها التي جمعت بين زمام المبادرة   وجدية العزم والخبرات الاستشارية في جميع مجالات عملها. فمن يعمل بها لا يعرف لغة (الصعب والمستحيل)  ومن يشكك في العبارة الأخيرة نحيله إلى سفرها الذي حوى آلاف الكيلومترات من الطرق والجسور والمستشفيات، ومعدلات غير مسبوقة في إنتاج الكهرباء، وعشرات المشروعات المصاحبة من سلسلة منظومة البنى التحتي من كبارٍ ومرافق صحية وثقافية وتعليمية ومشروعات زراعية تخطط لإنجازها في المستقبل القريب مشروع الدندر الزراعي، مشروع ري مروي الزراعي، مشروع سيتيت وأعالي عطبرة الزراعي.
 لم تختم وحدة السدود كتابها بعد  بل تخط كتاباً جديد بعزيمة  شبابها وإرادة الدولة التي تمضي في توفير سبل العيش الكريم لشعبها لتكون يدها دوماً عليا باقتصادها الناهض وإرادة ماضية رغم التحديات، وحدة السدود وطن لا يقبل المساومة.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق