الأثنين, 19 أغسطس 2019 02:28 مساءً 0 439 0
«أخبار اليوم» تنشر «نقطة نظام» بمناسبة مرور «ربع قرن» على الصدور
«أخبار اليوم» تنشر «نقطة نظام» بمناسبة مرور «ربع قرن» على الصدور

نقـطـــة نـظـام

( أخبار اليوم)
بعد ربع قرن

أعياد بالنسبة لغالب الناس، هي أفراح ومناسبات، وبالنسبة لى الأعياد هى محطات ، للتوقف واجترار عبر ودروس ومواقف، وهذا لا يتأتى إلا بممارسة النقد الذاتي مع النفس، والنفس البشرية عالم عجيب، ولخصه المولى عز وجل بكتابه الكريم فى آية جامعة:( وفى أنفسكم أفلا تبصرون) صدق الله العظيم.
النفس البشرية ، مقسومة لنوعين، الأول داخلي ، والثاني خارجي ،الأول لا يكذب أبدا، ولا ينسى أبدا، ولا ينافق أبدا، اما الثاني فكثيرا ما يظهر غير ما يبطن، وعلى أحسن الفروض يلتزم الصمت، وعلم النفس كله يدور فى هذا الفلك، فلك النفس البشرية.
(أخبار اليوم) الصحيفة، قصة ملحمة بشرية، تكاتفت فيها وحولها كل الجهود ، كل فى مجاله، تضحية وبذلا وعطاءاً، من المدير للخفير، كل يكمل دور الآخر.
ومرت ( أخبار اليوم ) بعدة مراحل خلال ربع القرن الماضي منذ 15 اغسطس١٩٩٤م وحتى 15 أغسطس 2019 م ، ونأمل أن نجد  الفرصة والوقت ، لتوثيق هذه التجربة، التي نشهد الله صادقين، أنها تجربة خالصة لوجه الله والوطن، وأذكر فى العيد الثاني عشر للصحيفة، زارنا الإمام الصادق المهدي، هذا الرمز السوداني، الذي تزيده الأيام حكمة ووطنية وحرصا على أمن الوطن وسلامته، حيث طرح ومنذ وقت مبكر جدا ، فكرة الجهاد المدني، وأكد أن الجهاد المدني قادر فى نهاية الأمر على إزالة النظام، وتحقيق الإرادة الشعبية الغالبة، وجمعتنا فى هذه الصحيفة علاقة احترام متبادل بالإمام الصادق المهدي، وصادفت زيارته لنا تلك كما أشرت، احتفالنا بالعيد الثاني عشر لصدور الصحيفة، وقلت يومها أمام الإمام والأرشيف موجود،  (ننتهز فرصة وجود الإمام الصادق المهدي معنا اليوم وهو زعيم للمعارضة،فى عيدنا الثاني عشر، أننا صحيفة مستقلة، لا علاقة لها بحكومة او حزب حاكم او معارض، ونتحدى كائنا من كان ان يثبت أن مليما واحدا دخل جيوبنا الخاصة او حسابات الصحيفة ، من أية جهة كانت، حاكمة، معارضة، أجنبية. )
كتبنا هذا الكلام كثيرا، إبان وجود النظام السابق، ليس من باب تسجيل المواقف، او كسب رضاء جهة، وإنما بسطا للحقيقة، وبعد أن انتهى النظام السابق، نكرر ذات
الحديث ونؤكد على ذات المعنى، ونتحدى كائنا من كان أن يبرز ، أن هذه الصحيفة منذ صدورها يوم 15 أغسطس قبل ربع قرن ، وحتى يومنا هذا ، قد تقاضت قرشا واحدا من الحكومة أو حزبها او الأحزاب المشاركة أو المعارضة او من دولة أو سفارة او منظمة خارجية او داخلية.
وأيضا اذكر بالعيد السادس للصحيفة، أن أقمنا رحلة بتلك المناسبة بمزرعة الصديق العزيز رجل الأعمال الراحل طيب الذكر ، بابكر حامد ود الجبل، وقد أعلنت فى الاحتفال إنشاء صندوق العاملين بالصحيفة ، وهو يخصهم بالكامل، وتبرعت الصحيفة بمبلغ (10 مليون جنيه) على ما اذكر ، وكان مبلغ له قيمته فى تلك الفترة، قبل تخبط ، سحب الصفر بعد تحويل العملة من الجنيه للدينار، والعودة غير المفهومة للجنيه، ثم لاحقا سحب الثلاثة أصفار من قيمته جملة واحدة.
وقد تبرع الراحل ود الجبل يومها بمبلغ ٢٥ مليون جنيه لصندوق العاملين، وحرصت ان القي كلمة، شكرته فيها وقلت له هذا تبرع لصندوق العاملين  وليس للصحيفة.
وأصر عليه رحمة الله ان يقيم رحلة ثانية بمزرعته بسوبا احتفالا بعيد الصحيفة، وكان ضيف الشرف الراحل رجل الأعمال بن عمر، وكانت تلك أول مرة التقى فيها به، عليه رحمة الله ، وجها لوجه.
والرجل عليه رحمة الله كان خطيبا مفوها، ألقى كلمة أشاد فيها بالصحيفة والتى كانت تتصدر معدلات التوزيع ، بفارق كبير من بقية الصحف، وقال عليه رحمة الله:( بهذه المناسبة أعلن تبرعي بمبلغ ٢٥ مليون جنيه لصحيفة أخبار اليوم. )
ونهضت من مقعدي، واستأذنته فى كلمة قصيرة، وعم الصمت المكان، وقلت يومها مخاطبا  الراحل بن عمر( بداية لابد من التقدم بوافر الشكر والتقدير للمتبرع الكريم، ولكن ما أود ان أوضحه ان هذا ليس بتبرع لأخبار اليوم، ونحن فى أخبار اليوم، لا نقبل أية تبرعات لا من حكومة، ولا معارضة، ولا رجال المال، وأقول لزملائي وأخواني العاملين بأخبار اليوم ، وأسرهم الكريمة الموجودة معنا، إنكم تعملون بمؤسسة ، لم ولن يدخل فى خزينتها ابدا مال عام او حرام، وان اى مليم موجود برصيدها من عائد أرباحها وبيعها.
هذه مقدمة ضرورية ، للكتابة حول مناسبة مرور ٢٥ عاما على صدور أخبار اليوم الصحيفة، وسنقف فى أربع محطات  من عمر الصحيفة:
() المحطة الأولي: ١٩٩٢ - ١٩٩٤:
معلوم ان الإنقاذ كانت قد عطلت إصدار الصحف المستقلة ، وصادرت دور الصحف الحزبية، وسمحت ١٩٩٢ بصدور الصحف المستقلة، وكانت قد مهدت لذلك بصدور الصحف  المتخصصة، من رياضية واجتماعية، حيث أصدرنا صحيفة الدار ، رياضية ، ثم رياضية اجتماعية ١٩٩٢.
وصدر قانون الصحافة ١٩٩٢ ، والذى سمح بصدور الصحف المستقلة، وتقدمنا بطلب لإصدار صحيفة سياسية يومية مستقلة، وتمت الموافقة على الطلب ، وتحصلنا على التصديق، وتزامن مع ذلك مصادرة السلطات لصحيفة السودانى المستقلة التى كان يملكها الصديق العزيز ، الزميل الأستاذ محجوب عروة، حيث لم يسمح لنا بالصدور الا بعد عامين، ١٩٩٤، حيث صدر قانون ثان للصحافة والمطبوعات، وحول ملكية الصحف لشركات مساهمة عامة، فأنشأنا شراكة ذكية ثلاثية، بيننا ك ( أخبار اليوم) وكنا نحمل التصديق فقط، و( الدار) ، ومجموعة ( قوون والاوائل)، والمجموعة الثالثة مجموعة ابكو للكومبيوتر وكانت تضم مجموعة متميزة من المهندسين ، رحم الله من رحل منهم، وأطال أعمار الباقين.
وكما سردت من قبل ، فإن اسم ( أخبار اليوم) ، لم يكن اقتباسا من ( أخبار اليوم المصرية)، بل مصادفة غير مقصودة ، وغير مرتبة.
كنت أثناء التحضيرات لإصدار الصحيفة، أتجاذب أطراف الحديث مع الصديق العزيز والزميل الاستاذ مصطفى ابو العزائم، وهو من أعمدة (أخبار اليوم) الرئيسية، فى عدة مراحل من عمرها.
قلت للأستاذ مصطفى، اخترنا اسم (اليوم) اسما  للشركة، ونريد اسما للصحيفة السياسية، تتميز بأن تكون إخبارية، وتتابع أخبار اليوم، اليوم باليوم، وقال لى: طيب ما تسميها ( أخبار اليوم) وكانت ( أخبار اليوم) السودانية السياسية المستقلة.
وكنت عام ١٩٩٢، اعد فى كتابى ( أسرار ليلة ٣٠ يونيو ١٩٨٩)، ومن الذين التقيتهم ، السيدين الإمام الصادق المهدى ، والراحل الأستاذ محمد إبراهيم نقد، وربطتنى بهما علاقات وثيقة.
ولا أذيع سرا إذا قلت أننى كنت مترددا  جدا فى خوض تجربة إصدار الصحف المستقلة، واتخذت القرار بصورة قاطعة، بعد ان تشاورت واستطلعت اراء ثلاث شخصيات، الوالد عليه رحمة الله، وهو سياسي مخضرم وكاتب صحفي منذ الأربعينات، والإمام الصادق المهدي، والراحل محمد إبراهيم نقد.
شجعني الوالد عليه رحمة الله جدا، والإمام الصادق أيضا شجعني جدا وقال لى ما معناه، أى فرصة لتوسيع مواعين الحرية يجب إستغلالها، وكذلك شجعني  الراحل نقد وقال لى عليه رحمة الله ولازالت عباراته ترن فى أذنى:( ياود البلال الحكاية دى مابتغلبك).
وبدأنا فى الاستعداد لاصدار الصحيفة، ولابد هنا من التنويه للدور المحوري، والأساسي ، الذى قام به صديق العمر الراحل الأستاذ عمر محمد الحسن، اول مدير للتحرير، رحمه الله رحمة واسعة ، ولازلت أتجرع مرارة فقده حتى اليوم، ولكنها الدنيا وكلنا ماضون بأمر وآجال ربنا.
وأيضا لابد من التنويه للتشجيع والمساندة التى وجدتها من الصديق أستاذنا الراحل مصطفى سند والذي كتب افتتاحية العدد الأول وكان أول مستشار للتحرير بالصحيفة.
() المحطة الثانية:١٩٩٤-١٩٨٩:
وأخيرا ، وبعد سنتين من الانتظار، عقب التصديق لنا بإصدار صحيفة ( أخبار اليوم)، صدر عددنا الاول ووجد استقبالا طيبا من القراء، ولقد تميزت هذه الفترة بتوتر شديد فى علاقتنا كصحيفة بالسلطة القائمة، وتم استدعائي عدة مرات، مرة  من وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء ، ومرة من نائب رئيس جهاز الامن، واستمعت لتنبيهات وتحذيرات ، وكان الاستدعاء الأول بسبب نشرنا لخطبة جمعة للسيد الإمام الصادق المهدي، والاستدعاء الثاني، كان لإبلاغنا بقرار إيقاف المرحوم الأستاذ محمد طه محمد احمد من الكتابة بأخبار اليوم وكان أحد كتابها الرئيسيين.
وكان بعض المسؤولين وقتها ، وقالوها لى انا شخصيا، أنهم غير راضين من خط الصحيفة ودعوتها المستمرة للوفاق الوطنى، وقال لى، ولازالت كلماته ترن فى أدنى:( شابكنا وفاق ..وفاق، وفاق شنو البتقصدو، اذا قصدك ترجع الأحزاب، تكون بتحلم، وهذا شأنك).
بل ان احد الكتاب الإسلاميين الكبار، كتب مقالا تحريضيا ضدنا بصحيفة حكومية وقتها تحت عنوان( حتى لا يطير الدخان فى سماء الخرطوم. !!) ، دعا فيه لتصفيتنا وقال ان رأسمالنا طلقة من أحد المجاهدين، وخرج يومها الراحل الكبير القيادى الاتحادى الحاج مضوى وتحدث على الهواء للبى بى سى وقال معلقا على هذا المقتل :( طلبان تظهر بالخرطوم).
() المرحلة الثالثة: ١٩٩٨-٢٠١١:
واهتمت ( أخبار اليوم ) فى هذه الفترة، بقضايا الوفاق الوطني، والوحدة الوطنية، وتوحيد أهل السودان على كلمة سواء، ومفاوضات السلام بجنوب السودان ودارفور وشرق السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق وجميع المناطق الملتهبة، وكانت توجه لنا انتقادات عنيفة لاستضافتنا لقيادات تلك الحركات والقيادات المعارضة، ولقد منعت انا من نشر حوارات، للأستاذ عبدالواحد محمد نور ، حيث نشرنا الحلقة الأولى وتم منع نشر بقية الحلقات ، وكان ذلك سببا لقطع الأستاذ عبدالواحد لتواصله معنا، وكذلك منعت من نشر حوار للدكتور على الحاج عندما كان بألمانيا، وايضا منعت من نشر سلسلة حوارات مع الشيخ الراحل د الترابى، ولعل ذلك المنع المتكرر، جعلنى اوقف إجراء الحوارات ، وعدم الانتظام فى كتابة العمود اليومى.
ولكننا لم نحيد أبدا عن خط الصحيفة والذي حددناه بكلمتنا فى العدد الأول، تابعنا هذه الملفات، وعقدنا منبرا من منابر (أخبار اليوم) الدورية تحت عنوان ( كيف يمكن أن نحافظ على وحدة السودان) إستمر لقرابة العام ، وإستضفنا فيه، كافة القوى السياسية بالشمال والجنوب.
() المرحلة الرابعة:٢٠١١-٢٠١٩:
خلال السنوات الأخيرة ولأسباب عديدة، بعضها نحن السبب فيه، وبعضها الآخر خارج عن إرادتنا، سواء دخول الإعلام والصحافة الالكترونية، او الارتفاع الجنوني فى أسعار ورق ومدخلات الطباعة، والشح فى الإعلانات ، خاصة بعد دخول الحكومة مرة أخرى بسوق الصحف، عبر صحف  مستقلة اسما وهى فى حقيقة الأمر تابعة للحكومة، وتستأثر بكل الإعلانات الحكومية، ومنذ عدة سنوات نتكبد خسائر فادحة بأخبار اليوم، ولكننا لم نحيد أبدا عن مبادئنا ودعواتنا المتكررة للوفاق الوطني.
وكان آخر منبر لأخبار اليوم نظمناه في الأيام الأخيرة للإنقاذ عقب اندلاع التظاهرات الشعبية يوم ١٩ ديسمبر، كان بعنوان ( كيف نحافظ على امن واستقرار الوطن)، وقلت بذلك المنبر والذى بثته بعض القنوات الفضائية الخارجية، ليس قضيتنا أن يبقى النظام او يذهب ، قضيتنا ان يبقى الوطن وأمنه وإستقراره، ومعلوم ان أعضاء المنبر الدائمين كانوا من المعارضين البارزين، الأساتذة: بروف شيخ الدين شدو، د.على احمد السيد المحامى، نبيل أديب المحامى، وجدي صالح المحامى، صالح محمود المحامى، كمال عمر المحامى.
نقطة النظام الأولى:
هذه وقفات قصيرة جدا ، بمحطات (أخبار اليوم) المتعددة،من خلال رحلة ربع قرن، وننتهز هذه الفرصة لنحيي جميع الذين عملوا بهذه المؤسسة، وفيهم من رحل من دنيانا ، نترحم عليهم وأسكنهم الله فسيح جناته، وفيهم من انتقلوا وبنجاح كبير لمؤسساتهم الخاصة او مع آخرين ونتمنى لهم التوفيق الدائم، ونحيي من بقى معنا رغم ظروف الصحافة الورقية بجميع أرجاء العالم، وبالسودان خاصة فى ظل معادلات مستحيلة بين عوائد الصحف ومنصرفاتها الأساسية من ورق ومدخلات طباعة، ناهيك عن بقية المنصرفات من مرتبات وخلافه.
نقطة نظام ثانية:
كانت (أخبار اليوم) ومازالت وستظل صحيفة مستقلة، رغم الاتهامات الظالمة بأنها ، تارة صحيفة تابعة لجهاز الأمن ، وتارة موالية للنظام، وانا كرئيس لتحرير هذه الصحيفة أتحمل مسؤولية اى حرف كتب فيها، والآن انتهى نظام الإنقاذ ، واذا ثبت اننا تلقينا منه قرشا واحدا فإننا مستعدون  للمحاسبة وسنقوم بتصفية الصحيفة فورا، أما القناعات والمواقف السياسية فهذه تخص أصحابها، ونحن ضد محاكمة القناعات او الانتماءات السياسية، الا اذا ترتبت عليها جرائم او اخذ مال عام.
نقطة النظام الثالثة:
سنظل فى (أخبار اليوم) على ذات المبادئ التي أكدنا عليها بعددنا الأول كما ذكرت أعلاه، وسنظل دعاة وفاق وطني، هدفه الحفاظ على امن واستقرار الوطن، واستقلالية الصحيفة لا تعنى ابدا الحياد  فى القضايا القومية والوطنية والوقوف ضد إرادة وخيارات الشعب السودانى، والتى قدم من اجلها شهداء قدموا أرواحهم فداءا للحرية والحياة الكريمة، تقبلهم الله أجمعين.
ولن تقف (أخبار اليوم) الصحيفة أبدا أمام إرادة وثورة الشعب السوداني التي قدم من اجلها الغالي والنفيس.
ولنا عودة

 

 

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق