السبت, 14 سبتمبر 2019 03:04 مساءً 0 235 0
تحليل اخباري
تحليل اخباري

موسم الهجرة لجوبا

 

بين شرعتي الثورية والدستورية
موسم الهجرة للشمال،أشهر مواسمنا وأوسمها إطلاقا، أما موسمنا الحالى، هجرة لجنوبنا الذى لازال دم إنفصاله نزّاف وفتّاح وغرّاء للصدع بدعوات إنفصالية من هنا وهناك وقد قُصت خارطة المليون ميلا مربعا قصا شوهته العجلة وعدم إحسان الترتيبات، العزاء أنه كان تعبيرا عن رغبة جنوبية بالإحترام والتقدير والقبول جديرة، تطاول مفاوضات الإنفصال الآحادية وقد كانت بلا طائل ملموس حتى يومنا للدولتين لا ينفى إتسام إتفاقها وتوقيعه بالعجلة وفيها الندامة، الحال الآن لا يغر ولايسر بالدولتين صديقا دعك من عدوٍ، جوبا تبدو بعد التغيير العاصف في الشمال، واعية بأهمية إستقرار الأمور واستتبابها بالخرطوم،فهاهى مواسم هجرة قوى الشمال تتوافد إليها إعترافا بأنها الأنسب والأصلح لجمع فرقائه ومنهم وفيهم من كان جزء أصيلا من الحركة الشعبية،الحزب الحاكم بأمره بدولة جنوب السودان، مزايا أخرى عدة، صداقة سياسية وربما آيدولوجية مسكوت عنها مميزة تربط بين حكومة الجنوب والقوى السياسية الغطاء السياسى للحكومة المدنية على غير ما سلفت علاقة إستبطان السوء المشترك بين جنوبى الحركة الشعبية يسارية التوجه والحكومة الإسلامية المتطرفة الموؤدة توا بالشمال، إنفصال الجنوب ربما الحسنة الوحيدة المحتسبة للإسلاميين جنوبيا، عليه ترتفع حظوظ مفاوضات السلام بين الحكومة، حكومة قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الجبهة الثورية وإن لم يكن مستوى تمثيل كل مكوناتها ممن حضروا مفاوضات جوبا على قدم المساواة تمثيلا، فالإنخفاض مدعاة للتراجع ونفضٍ لليد عن إعلان مباديء، غياب قيادات بل قائد واحد منقصة لإعلان جوبا، هى الواقعية للتعامل موضوعيا مع مخرجات هذه المفاوضات المميزة بالجريان فى عهد جديد لازال لدى البعض يتطلب تعاملا بحذر عطفا على تغلغل ما يسمى بمفاصل الدولة الثلاثينية وتعمقها مما يتيح وجودا  لها لازال الإحساس به يساور الثائرة فلذا ينتظمون فى مسيرات لن تتوقف إحتجاجا غض الطرف عن تشكيل  حكومتهم المدنية المشوب  بالظنون وبالشكوك،القراءة الواقعية والميدانية للوثيقة الدستورية الحاكمة للعلاقة بين المكونين العسكرى والمدنى تُعمِّق لدى الناس فهما أن شرعيتها فوق شرعية الثورية، الأمر الذى يشي بخلافات عميقة داخلية تصعب عملية توحيد الجهود حول كافة القضايا ومفاوضات السلام لإفشائه على رأسها، بالضرورة لن تتوحد الرؤى حكوميا ووفدها الخليط غير المتجانس حتى الآن وهذا جدا طبيعى والتدرج فى التماهى يفضي لنتائج أفضل فتمهلوا واصبروا، الجبهة الثورية كذلك ليست على قلب رؤية واحدة بل هي لديها شتى ومتفرقة.
تجافٍ وتنافٍ
مخاطبة التحديات والنظر إليها بواقعية محاطة بكل تعقيداتها ينبغى أن تكون عمل وشغل لجان التفاوض بعيدا عن النظر للعامل الزمنى، لا أحد يود معاناة وقتلا يمتد بسبب الحرب،لكن الإتفاق بعجالة ليس مفيدا ومجديا،الإتفاق على إنجاح الفترة الإنتقالية بمعالجة إختلالاتٍ هنا وهناك بجذب مقنع للممانعين من عيار ثقيل، يحقق السلام المستدعي توحيد وتعزيز جهود الحكومة المدنية التى لا يعقل مقابلة بدايات أعمالها بعاصفة من الإنتقادات تبلغ بعضها دعوة للخروج عليها مهما كانت مبررة بهزم العميقة ،مغادرة محطة تبادل الإتهامات ببحث طرائق للتشافى منها ضرورة ملحة، تداخلت هاتفيا  بطلب من مقدمى أحد البرامج بالتلفزيون القومى المغضوب عليه موضوعه مفاوضات جوبا، ضيوف الإستديو من طينة من يفضلون التمليس بينما أنا من عجينة المباشرة والمصارحة، حدثنى مقدم البرنامج أن أحدهم هاتفه من فرنسا منتقدنى ومداخلتى لجلابيتى، إلى متى هذا التواضع والخنوع فى النظر لقضايا مصيرية، دعوت ولا زلت بسلام يلبى أشواق الناس وليس المتهافتين للسلام لنيل منصب أو للظفر بمغنم، ثورة الوعى فلتنداح لكنس كل ماتبقى من رؤى قديمة وممارسات بالية وسياسيين عطالى،فلتصوب الجهود وتركز على الخطط والبرامج مع قبول كافة ما يطرح بلا قيود وقدسية، لو فعلنا لسددنا أبواب المزادات السياسية والمزايدات تلاعبا بمصائر الناس من قبل ساسة ومسلحين جلهم همهم إرضاء طموحاتهم وإشباع نزواتهم، لا سبيل لسودان خال من بدع السياسيين وأمراض ساس يسوس إلا بالإستماع لأشواق الناس وإفهام من يتصيدون للقيادة ويتسقطونها إنهم خدام يستأنسون فى أنفسهم كفاءة وقدرة على القيادة والسيطرة بوعى على الحراك الجمعى بتحقيق مطلوباته وليس بتصدٍ أخرق ،تصعيب مهمة القيادة تريح الناس ممن يتقدمون صفوفهم بينما هم مجرد موقوذة ونطيحة وعيفة،ولا بد من معيارية معلنة لاختيار من يتفاوضون إنابة عن الناس كلهم تلبية لأشواقهم، لا مناص لآحادية وانفرادية وانحيازية بغيضة تتجافى والموضوعية وتتنافى.
عنونات بعبعات
لابد من إنتهاء الممارسات السياسية المسلحة والمدنية التى تتخذ من قضايا مصيرية فزاعات وهنابيل لإخافة الآخرين كانوا مفاوضين أو متفرجين لتحقيق الأهداف،فليطرح من شاء وأراد حق تقرير المصير والحكم الذاتى بالمعنى الواضح دعوة للإنفصال مبنية على أسس موضوعية، ليس فى سودان اليوم قدرة وغلبة لجهة أو ولاية أو إقليم لتنفصل تماما عن الآخرين وما لديها من موارد ومقدرات ومكتسبات منقوصة وفقيرة لما يملكه الآخرون، فلو ملكت جهة الذهب ولا تملك منافد وموانئ ولا ممرات ومعابر لتسويقه فما فائدته، أرجاء السودان التى لازالت منقوصة الجنوب لنا وطن،لازالت قابلة للعيش متوحدة مع تفكيك عميق للدولة يبقيها ولا يفنيها ويلقيها لصراع قميء، فالحكم اللامركزى شكل مقنن من أشكال الحكم الذاتى، اسم التزويق للإنفصال فضلا عن الكونفدرالية الممكِنة بين السودانين الشمالى والجنوبى بفقه وأدب تبادل المصالح والمنافع، لا مبرر لخوف ولاسبب لتخوين من يدعون من قيادات الحركات المتمردة لتغيير السودان الحالى وإعادة تخطيطه من كل الزوايا والجنبات، يمكن نستريح من تكتيك عنونات بعبعات تحمل دعوات تنديدا مبطنا بانفصال هذا الإقليم أو تلك المنطقة والولاية من قائد سياسى مدنى أو مسلح، فالرفض تمسكا بقوة ماض تليد وقديم لم يعد حلا، كما أن التصدى بقوة ورفض مطلق لأصحاب دعوات إنفصالية يحقق لهم مكاسب ظاهرة وخفية، لكن السماح باندياح الرؤى لسودان خال متحاب متعايش بما تبقى عليه بعد إنفصال الجنوب، أو فنموذج الدول الصغيرة الناجحة ليس ما يعيب خضعه للدراسة بدلا من تمسك ببيت وسيع إعماره بالماديات والروحانيات مستحيل، تشي أقدار الحياة والناس أن بقاعها مجاورة أو متحدة ومتوحدة لاغنى لها عن بعضها بعض، فالإصرار على تحريم دعوات حول قضايا والتعامل معها كمقدسات ينبغى أن يستحيل لمرونة  وليونة، فتفكيك الكتلة الصماء  لجزيئيات أنفع من الإبقاء بلقعا لا فائدة تجنى ولا أمل يرجى، فلنتعايش بسلام إما بالتواطن على بلد واحد أو متفرق متعايش بحسن الجوار وتبادل المصالح والمنافع وبإتمام نقصه من كمال الآخر،هي ليست مطلقا دعوة للتجزئة إذ دون ذلك حرب عشواء وشعواء ليوم الدين، حرب لاتنفع معها مواسم الهجرة لا شمالا ولا جنوبا، لن تتبقى إلا هجرة هى تلك الرواية الخالدة.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة