السبت, 14 سبتمبر 2019 03:14 مساءً 0 698 0
مشـــروع الجزيــرة والمناقـل... إنقـــاذ العمــلاق، ومساهمتــه كبيــرة في حل الأزمة الاقتصادية 3/3
مشـــروع الجزيــرة والمناقـل... إنقـــاذ العمــلاق، ومساهمتــه كبيــرة في حل الأزمة الاقتصادية  3/3

الخبير الاقتصادي سيد الحسن يكتب لـ (أخبار اليوم)

5. مقترحات الحلول
قبل الدخول في مقترحات الحلول يجب الاطلاع على إنتاج مشروع الجزيرة والمناقل للقطن طويل ومتوسط التيلة منذ موسم ١٩٦٠ حتى موسم ٢٠١٠/٢٠١١، لملاحظة التردي الذي أصاب المشروع بسياسات ممنهجة للتدمير، ولمعرفة المقدرة الحقيقية للمشروع وبناء الأمل عليه، يجب ملاحظة انخفاض مساهمات مشروع الجزيرة في سوق القطن طويل التيلة من ١٠٠ ألف طن في ١٩٦٠م (قبل دخول امتداد المناقل كانت مساحة المشروع ١،٦٥٠،٠٠٠ فدان) إلى ١٨٠ ألف طن في ١٩٧٠ (بعد إضافة مساحة امتداد المناقل ٦٠٠ ألف فدان)، مروراً بعام ١٩٩٠ حيث وصل إلى ١٦ ألف طن (موسم تطبيق سياسة نأكل مما نزرع) وصعد ثانية إلى ٤٨ ألف طن في ٢٠٠٤م.
يجب ملاحظة التدهور المريع منذ قانون ٢٠٠٥ المشؤوم، حيث وصل الإنتاج في ٢٠٠٥ إلى ٤٤ ألف طن، وتواصل التردي حتى وصل الإنتاج إلى ٢٠٠٠ طن في ٢٠١٠/٢٠١١.
بالاطلاع على الأرقام أعلاه يجب أن نعمل على إعادة تأهيل المشروع ونستهدف فقط إنتاج ١٩٦٠ (١٠٠) ألف طن من القطن طويل ومتوسط التيلة (وليس إنتاج ١٩٧٠ (١٨٠) ألف طن بنفس المساحة الحالية ٢،٣٠٠،٠٠٠ فدان) ومن السهل الوصول إليه إذا اتبعنا الطرق السليمة لإعادة التأهيل واعتمدنا على خبرة المزارع التراكمية.
إعادة التأهيل يجب أن تطال
أولاً: التربة
الحالة الراهنة للتربة ومراحل تدهورها توضحها إحصاءات صفحة شركة الأقطان السودانية كالتالي:
في موسم ٢٠٠٢/٢٠٠٣ كان إنتاج القطن العينة بركات   ٢٥٠،٢٣٤، والعينة أكالا  ١٨٧،٩٠٠ بالة (٤٢٠ رطلًا).
في موسم ٢٠٠٩/٢٠١٠ كان إنتاج القطن العينة بركات   ٢٦،٠٠٠، والعينة أكالا  ٥٤،٩٦٠   بالة (٤٢٠ رطلًا)، هذا التدهور ناتج مما أصاب التربة نتيجة منح المزارع حرية اختيار المحاصيل بموجب قانون ٢٠٠٥.
إعادة تأهيل التربة
لإعادة تأهيل التربة يجب زراعة نصف مساحة المشروع بقوليات مفتتة للتربة (فول سوداني/ لوبيا) وغير منهكة لها والنصف الآخر يترك بورًا بدون زراعة ويتم حرثه بالحرث العميق صيفًا وبالتناوب لأربعة مواسم كاملة حتى تستعيد التربة خصوبتها طبيعيًا، والعودة بعدها للدورة الزراعية التي كانت متبعة والتي حافظت على خصوبة أرض المشروع لأكثر من ٧٠ عامًا.
بالتزامن مع الأربع سنوات لإعادة تأهيل خصوبة التربة بتركها بورًا أو زراعتها بالبقوليات، يجب محاربة دودة البامية (تسمى دودة الأوكرا والدودة الأمريكية) سريعة الانتشار بالتربة التي استشرت في معظم تربة المشروع وتمثل أكبر مهددات إنتاج القطن عالميًا لتسببها في إصابة القطن بمرض العسلة عدو الإنتاجية في القطن، قبل قانون ٢٠٠٥ كان هناك القانون الإنجليزي الخاص بمشروع الجزيرة والذي يجرم المزارع جنائيًا بتهمة تخريب الاقتصاد القومي لزراعة شجرة بامية واحدة، ومن أسهل الطرق لمحاربة هذه الدودة النيماتودا المستخرجة من حب النيم ويتم استعمالها بالتزامن مع الحرث العميق. النيماتودا هي بقايا استخلاص المبيد العضوي من بذرة شجرة النيم، وكانت تستورد من الهند، في حالة القيام بإعادة تأهيل التربة يجب الاستغناء عن استيراد النيماتودا والعمل على حملة لتجميع بذور شجرة النيم وطحنها ونثرها في التربة أثناء الحرث العميق (طحين البذرة يحتوي على نسبة عالية جدًا من المادة القاتلة للدودة وهي الـ Azadirachtin A   (Azadirachta indica) وذلك لأن النيماتودا أقل احتواءً لهذه المادة، حيث النيماتودا هي أمباز وبقايا استخلاص هذه المادة كمبيد عضوي، وما زالت بقايا الاستخلاص (النيماتودا) تحتوي على نسبة من هذه المادة القاتلة.
ثانياً: الري
إعادة إدارة الري بالمشروع لوزارة الري والتي كانت تتبع لها منذ قيام المشروع في العشرينيات وحتى تطبيق قانون ٢٠٠٥، هذه القنوات وعددها المهول كما ذكرت تفاصيلها سابقًا ضربتها الحشائش المائية، والحشائش البشرية  المتمثلة في مقاولي الحفر بدل وزارة الري، والذين يهدفون إلى حفر أكبر عدد من الأمتار المكعبة لرفع عوائدهم المحسوبة بالمتر المكعب دون مقاسات علمية أو حدود دنيا وحدود عليا للحفر, لذلك معظم الترع  والكنارات أصابها الحفر الأعمق من اللازم الذي تسبب في زيادة غليان المياه انتقال الطمي من الكنارات والترع تدريجيًا لأبوعشرين وأبوستة وحتى الحواشات، حيث تواجه المشروع حاليًا مشكلة الأطماء في القنوات الصغيرة أبوعشرين وأبو ستة مما  حدا بالمقتدرين  من المزارعين لاستخدام الطلمبات الرافعة لري حواشاتهم، وبات أبوعشرين وأبو ستة إن لم يكن أعلى من الكنار والترعة في مستواهما.
لإعادة التأهيل يجب العودة لسياسة تجفيف القنوات للقضاء على الحشائش بالتناوب خلال الأربع سنوات المخصصة لإعادة التأهيل، ولوزارة الري كوادرها المؤهلة لمحاربة الحشائش بالقنوات.
أما المشكلة الكبرى فهي الأطماء في أبو عشرين وأبوستة، يجب على المزارعين القيام بإزالة الأطماء تحت إشراف مهندسي وزارة الري لضمان الانسياب السلس للمياه من الترع حتى تصل السراب بكل الحواشة.
تبقى مشكلة الترع والقنوات الكبيرة (الميجر)، لضمان الانسياب السلس المتوازن للمياه من خزان سنار وحتى آخر نقطة في مشروع الجزيرة والمناقل، يجب استنفار مهندسي المساحة والهندسة لإجراء مسح شامل للمناسيب الحالية للقنوات الكبيرة (الميجر) والترع من بدايتها بخزان سنار حتى آخر نقطة في أبو عشر، لتحديد المحفور أكثر من اللازم لردمه ليكون في المستويات القياسية، وتحديد ما هو أعلى من المستويات القياسية ليتم حفره، لتكون القنوات كلها بالمستويات القياسية الضامنة لانسياب المياه بسلاسة من أول نقطة بخزان سنار لآخر نقطة.
في تقديري أن هذا من أصعب مراحل إعادة التأهيل للحاجة لعدد كبير من المهندسين، ويمكن إعطاؤه لشركة أجنبية متخصصة للقيام به، بل يمكن عمل نفرة من طلاب السنوات النهائية بالجامعات من دارسي هندسة المساحة والهندسة المدنية مع مهندسي الري السابقين بالري التابع للمشروع، لأنهم الأدرى بكل كبيرة وصغيرة بالقنوات ومشكلاتها وطريقة طلب المياه من الخزان ومتابعتها حتى تدخل الحواشات، أضف لذلك تكلفة المعدات المستعملة في الردم والحفر.
وحسب ما ذكر مدير مشروع الجزيرة في ورشة عن المشروع في ٢٠١٠  هناك دراسة لتكلفة إعادة تأهيل قنوات الري قدرت بمبلغ ٨٥٠ مليون دولار، المضحك أن وزارة المالية خصصت في ميزانيتها التالية لهذا التصريح بالعملة السودانية مبلغًا أقل من ٣% من المبلغ المقدر بواسطة الدراسة.
ثالثاً: الموارد البشرية
إعادة من تم تسريحهم من الموارد البشرية من (مفتشين زراعيين، مهندسي ري، مختصي مكافحة حشرات وخفراء ترع) حيث إنهم أكفاء تعليميًا ولديهم خبرة تراكمية، وفتح أبواب العمل للشباب لسد الثغرات الإدارية في المشروع، وعدم الاعتماد على المقترحات السابقة مثل المقترح التركي وروابط المياه وشركة الهدف، والاكتفاء بعدد (٣٠٠)، بالمنطق وبحساب رقمي هل يكفي موظف واحد لأكثر من (٦٠٠٠) ألف فدان بقسمة مليوني فدان على (٣٠٠) موظف،  الدراسة التركية تمت في عهد المخلوع البشير، ويجب أن ترجع روابط المياه وشركة الهدف لمواقعها حسب تأهيلها لأنهم ليسوا متخصصين  في الري أو في الزراعة.
كما يجب فتح قنوات مباشرة بين إدارة المشروع هيئة البحوث الزراعية والجامعات المتخصصة  وعلى رأسها جامعة الجزيرة للاستفادة من البحوث والدراسات المتعلقة بالبذور ومكافحة الآفات، وتمويل البحوث والدراسات بنسبة من عوائد المشروع تستقطع من حقوق المزارعين  وتكون مخصصة لتمويل بحوث ودراسات علمائنا السودانيين حيث إنهم الأكفأ  والعالمين بمناخنا وتربتنا ومميزاتها وعيوبها، وبحكم السن يمكنهم تقديم استشارات ونصائح وكورسات لكوادر من خريجي الجامعات حديثي التخرج بعد استيعابهم في الإدارات المختلفة بالمشروع ووزارة الري.
رابعاً: معدات الدعم اللوجستي
سيارات مناسبة لطبيعة وطقس المشروع، تراكتورات حرث وتراكتورات حفر عميق، وسائل اتصال سريعة، وحمير و(بسكليتات) وخفراء الترع, وإعادة تأهيل سكن المفتشين والمهندسين والخفراء.
 هـ/ فوق هذا كله إعادة ثقة المزارع في القائمين على أمر الزراعة بالتالي:
(1) تجميد قانون ٢٠٠٥ وإلغاء كل العقود والاتفاقيات والتزامات الغير التي تمت بموجب هذا القانون.
حيث إن قانون ٢٠٠٥ بالاشتراك مع السجل السالب لتصرفات القائمين على الزراعة هما السبب الرئيس في فقدان ثقة المزارع في  كل ما يصدر من الحكومة قياسًا بعدم تنفيذ وعودها السابقة. ومن المستحيل أن نستهدف زراعة محصول ونجاحه دون الحصول على ثقة المزارع أولًا وقبل كل شيء، توفر الثقة لدى المزارع يزيد من مجهوده في العناية بالقطن.
(2) رد الحقوق لأصحابها كاملة غير منقوصة، واسترداد كل ما تم بيعه من أصول المشروع.
(3) رفع يد كل المتسببين والمحسوبين على حكومة المخلوع البشير وزمرته بدءًا من رئيس مجلس الإدارة  والمدير لأصغر عامل بالمشروع ممن تسببوا في فقدان ثقة المزارع في الحكومة.
(4) إزاحة كل شركات الحفريات العاملة بالمشروع من أرض المشروع، حيث إنها تمثل آلتي تدمير، الأولى الفساد في تكلفة الحفر، إضافة للتدمير لقيامها بالحفر للحصول على أكبر كمية من الأمتار المكعبة بالطمي دون رأي هندسي؛ لأن حسابها يتم بسعر المتر المكعب.
 (5) إزاحة كل شركات التمويل من المشروع حيث تقوم هذه الشركات بإلزام المزارع بعقود إذعان (وعقود الإذعان باطلة قانونًا) ليوقع على أسعار عالية للتقاوى والأسمدة والمبيدات، ويوقع المزارع على شيكات تودي به إلى السجن ومن المحتمل نزع الحواشة خلال المحاكم.
مع العلم أنه لا توجد شروط جزائية تقع على الشركة في حالة فشل شركات التمويل في توفير المدخلات الزراعية بالمواصفات القياسية وفي وقتها المذكور بعقد الإذعان.
سادساً: التمويل
مشروع الجزيرة يحتاج إلى إعادة تأهيل بمليارات الدولارات، تكفي أصول المشروع لضمانها عند بنك التنمية الإسلامي - جدة، إذا تم تقديم دراسة جدوى بصورة شفافة، أو بقروض من البنوك العالمية والتي تكدس مبالغ كبيرة بحثًا عن استثمارات في مشاريع ناجحة ومضمونة السداد والعوائد، بحجم مشروع الجزيرة والمناقل.
 ويمكن الحصول على تمويل لإعادة تأهيل المشروع بضمان أصوله لدى مستوردي الأقطان طويلة ومتوسطة التيلة الذين ترزح مصانعهم تحت أزمة اقتصادية ناتجة عن شح الأقطان طويلة ومتوسطة التيلة في السوق  العالمي، على أن يتم التسديد في شكل أقطان في فترات يمكن أن تكون بين (٥ ـ ١٠) سنوات.
ولا أشك أبدًا في موافقة مستوردي الأقطان على التمويل حيث إنهم يعلمون تمام العلم ـ حسب سجلات  أكثر من ثمانين عامًا ـ أن مشروع الجزيرة يعد أكبر مساحة مؤهلة لزراعة القطن طويل ومتوسط التيلة في كل أنحاء العالم.
أضف لذلك أن الأموال المستثمرة في الماكينات كبيرة وتعمل بنصف طاقتها أو أقل من النصف لشح المادة الخام وهي القطن، إضافة إلى ما تعانيه هذه المصانع من ضغط النقابات ودفع التعويضات في حالة فصل العمالة الناتج عن شح المادة الخام.
حسب التصنيف العالمي للدول للاقتراض، السودان مصنف بدرجة أقل من الدرجة ( c).
وحسب تصنيف مقياس (داقوج الصينى) السودان مصنف بالدرجة  (c)  واحتل هذه الدرجة وليس أفضل منها لاعتبارات سياسية.
المقياس العالمي للاقتراض يتم حسابه على عدة  اعتبارات، أهمها:
(1)  الاستقرار السياسي والأمني، والحمد لله الأمور تسير نحو الاستقرار في ظل حكومة انتقالية مدنية، في قمة أولوياتها الاستقرار السياسي والأمني.
(2) درجة الشفافية في العقود والتعاملات التجارية حسب السجلات السابقة، بصريح العبارة سمعة الدولة في الفساد وما تتخذه الحكومة الانتقالية من إجراءات لمحاربة الفساد.
(3) الشفافية الكاملة لدراسة الجدوى والتطبيق والتحقق من الجدوى الاقتصادية للمشاريع المراد تمويلها، وجدوى المشروع الاقتصادية لا شك فيها حسب سجله التأريخي، مع اتجاهات الطلب العالمي المتزايد حسب البيان الختامي للهيئة الاستشارية الدولية للأقطان سابق الذكر.
ما لم نستوف الشروط أعلاه لن يتمكن السودان الحصول على تمويل لإعادة التأهيل بمعدلات الفائدة المعروفة عالميًا، مما يضطر الحكومة ـ إن رغبت في الحصول على التمويل ـ للجوء إلى مغامرين يضعون معدل فائدة سيكون مضاعفًا على أحسن الفروض  مع شروط قاسية جدًا في حالة الفشل في السداد ربما تؤدي إلى  بيع المشروع  بالكامل.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق