الأحد, 15 سبتمبر 2019 03:30 مساءً 0 554 0
د. حسن الساعوري لـ اخبار اليوم: نعم المتفق عليه الآن أن تكون حكومة كفاءات لهذه الأسباب وهذه الحكومة طالب بها الشعب
 د. حسن الساعوري لـ اخبار اليوم: نعم المتفق عليه الآن أن تكون حكومة كفاءات لهذه الأسباب وهذه الحكومة طالب بها الشعب

حوار ماجدة عدلان

هل ستكون الحكومة الجديدة بكامل طاقمها بشارة خير وأمل جديد مكتوب على ذاكرة السودان السياسية بعدما تفرق دمه بين الأمم جوعًا وعطشًا وأزمات ومآسي  وحروبًا هنا وهناك فتكت به زمنًا طويلًا، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي جعلته كسيحًا بين الأمم والدول.
إذًا أمام الحكومة والسيد رئيس الوزراء مهمة شاقة، الأزمات تحيط ببلادنا إحاطة السوار بالمعصم.
هذا حوار وقراءة شاملة للحكومة وللوزراء الجدد على أمل أن تستطيع هذه الحكومة أن تفعل شيئًا يكتب لها في سجل التاريخ، ولعل الحوار مع خبير ومحلل سياسي يعطينا أكثر من نقطة ضوء براقة.

د. حسن الساعوري نبدأ هذا الحوار بتعليقك على التشكيلة الوزارية خاصة أن هنالك حديثًا كثيرًا دار عن مسألة المحاصصة وما إلى ذلك؟
المتفق عليه أن سبب الإجماع على هذه الحكومة هو ضرورة أن تكون حكومة كفاءات خاصة أن الرأي العام كله يطالب بحكومة بهذه المواصفات، حتى حمدوك قال إن المعيار لهذه الحكومة هو الكفاءة خاصة أن البعض يتحدث عن حكومة تكنوقراط أو مهنيين. الآن أصبحت المطالب بحكومة كفاءات حيث طالب بها الشعب في الشوارع وكذلك القوى السياسية، كلهم توافقوا على حكومة كفاءات وليس حكومة محاصصة.
ولكن تم استثناء وزارتي الداخلية والدفاع حتى تكونا مرتبطتين بالعمل العسكري الانتقالي وفي الوقت نفسه أعطيت قوى التغيير وزارتين، إذًا سوف تكون هنالك أربع وزارات وسوف تكون هنالك محاصصة حزبية، ومحاصصة مهنية والمحاصصة  المهنية قد لا توصف بأنها حزبية لأن الوزير فريق في الجيش ولا غضاضة أن يأتي من داخل القوات المسلحة.
الاستثناء الآخر لوزير الداخلية مقبول، إذن المحاصصة المهنية مقبولة.
لكن استثناء وزارتين للحرية والتغيير محاصصة حزبية بالنظر إليها، فالمعيار هو الكفاءة العلمية والخبرة الطويلة الممتازة في المجال المعني مثلًا خريج إعلام يمكن أن يعمل صحفيًا ويمكن أن يكون وزيرًا.
وعندما أتى الأمر لترشيح ثلاثة من كل وزارة السيد حمدوك قد يكون غير موافق وقد يكون (جاب ترشيحات من عندو) وهي ارتبطت أيضًا بكفاءات، هذا أمر مقبول، لكن ملاحظاتي في الوزارات أنه لم يكن هنالك التزام بالمزاوجة بين الكفاءة العلمية والخبرة الطويلة، قد تكون موجودة في وزارتين أو ثلاث مثل وزارتي المالية والإعلام؛ لذلك تصبح حكومة الكفاءات المطلوبة ناقصة، ما يعني أن هنالك زوبعة في تعيين واحد (مدني عباس) حتى في وسائل التواصل الاجتماعي. طبعًا هنالك توافق بين معيار الاختيار في بعض الوزارات خاصة عندما تأتي بوزير صغير السن وفي الغالب ليس لديه خبرة طويلة ممتازة تكون قد خالفت معياري الخبرة والعلم.
نعم الشباب شارك في الثورة في الأصل لكن الأفضل اختيار شباب من كوادر الأحزاب السياسية وذلك لخبرتهم الطويلة في العمل التنظيمي؛ لذلك نجد أنه عندما لا تكون هناك خبرة طويلة لا تضمن قدرته على أداء عمله بالوزارة المعنية، ولعل هذا الأمر مرتبط بسؤال آخر كبير هو إلى أي مدى هذه الحكومة متجانسة؟ لأن المقصود بالتجانس في العمل السياسي أن يكون هنالك تناغم بين أعضاء مجلس الوزراء وأن يسير العمل بينهم بسلاسة، وعادة التجانس لا يحدث إلا عندما يكون الفكر السياسي واحدًا، وهؤلاء لم يدخلوا بفكر سياسي معين ومحدد وبالتالي أدخلوا في الوزارة لكفاءاتهم العلمية، لكن تصورهم السياسي وثقافاتهم السياسية غير معروفة لأنهم لم يعملوا في السياسة من قبل.
إذًا هل من الضرورة أن يكون هنالك تجانس بين الوزراء ورئيس الوزراء نفسه، خاصة أن المرحلة تتطلب التوافق والتراضي الوطني؟
نعم، التناغم مطلوب، وينبغي أن يقف عليه رئيس الوزراء، لو كانوا كلهم أعضاء في قوى الحرية والتغيير ربما يكون التناغم مضمونًا.
لو حدث  تناغم بين نصف أعضاء الحكومة وأصبح فكرها العام مع الحرية والتغيير يكون الأمر في الطريق الصحيح، وعلى رئيس الوزراء أن يكون فريق عمله متجانسًا، وهذا في ذهني مرتبط بالسياسات العامة التي سوف توضع بواسطة كل وزير لوزارته لأن الوظيفة السياسية عادة تكون فضفاضة والمطلوب من كل وزارة أن تقدم دراسة وافية عما يليها من سياسات واستيعاب السياسات الاقتصادية الحالية، أضف إلى ذلك أن رئيس الوزراء قد تكون لديه أفكار جاهزة لتسيير عمل الوزارة، وقد يكون لديه تصور، إذا كانت لديه أفكار جاهزة فهل يستطيع أن يلزم بها الوزراء المعنيين خاصة أنهم يحتاجون لإعطائهم مساحات حرية كاملة لتحديد مشكلات وزاراتهم وتقديم بدائل في شكل مشاريع لرئيس الوزراء لتناقش في المجلس.
الذي أفهمه أن معيار الكفاءة يغلق باب تدخل الحرية والتغيير ويعطي الوزير حرية أكبر في وضع تصور تام لوزارته لأن كل وزير لديه تصور لوزارته، ولا أتوقع إذا أتته أفكار من قوى الحرية والتغيير أن يوافق عليها بالضرورة.
هذا الأمر يجعلنا نسأل كيف تلتقي سياسة كل وزير مع الوزراء الآخرين؟
أتوقع أن يقدم كل وزير تصوره لمجلس الوزراء حتى يناقش ويعتمد أو يعدل أو يستبدل، وهذا يعني أن مجلس الوزراء يحتاج لوقت طويل لمناقشة هذه التصورات ثم ترفع إلى المجلس التشريعي ومجلس السيادة، السؤال هل يستطيع الشعب أن ينتظر هذه العملية الطويلة لإنزال سياسات عامة جديدة، وهل يصبر المواطن العادي حتى تخرج هذه السياسات بعد النقاش المستفيض، هذه معضلة تواجه مجلس الوزراء لأنه يحتاج لوقت قد يكون أطول مما يتوفر في بعض القضايا الحساسة مثل قضية المعيشة الحياتية وما إلى ذلك.
قد يصبر المواطن في الفترة الأولى كما صبر على الإنقاذ، لكن هل يفيد الصبر في قضايا المعيشة مثلًا.
لعل المراقب يقول إن أمام هذه الحكومة تحديات كبيرة أخطرها المسألة الاقتصادية ومسألة إحلال السلام وما يتبع ذلك؟
نعم التحدي الأساسي هو المسألة الاقتصادية، هم قدموا قضية السلام لكن لو سألنا المواطن العادي نجد أن أولوياته هي الاقتصاد وليس السلام لأن الحرب متوقفة منذ أكثر من عامين، وبالتالي هو يشعر بضغط المعيشة أكثر من أي حرب دائرة، أضف إلى ذلك أن قضية الاقتصاد مرهونة بقضية السودان والإرهاب، ولو رفعت أمريكا اسم السودان من قائمة الإرهاب يمكن للاقتصاد أن يبدأ في التحسن، الأمر إذًا يحتاج إلى وقت وقد لا يصبر المواطن.
أما التحدي الأكبر فهو إلى أي مدى تستطيع حكومة حمدوك أن تعمل لأجل الاقتصاد لأن الستة أشهر الأولى حددت للسلام. ودعيني أقول فلتكن الأهداف الاقتصاد والسلام، أي على حكومة حمدوك أن تزاوج بين الهدفين وأن تعمل لأجل الاقتصاد والسلام في آن واحد.
صحيح أن القوات المسلحة المرابطة في جنوب كردفان تصرف على هذه الجيوش لكنه صرف غير كبير ولا يشعر به المواطن، لابد للهدفين أن يسيرا سوية.
هنالك أيضًا مسألتان هما رفع العقوبات عن السودان ورفع اسم السودان من الدول الداعمة للإرهاب ومدى تأثيرهما في مسائل العلاقات الدولية والتبادل التجاري والاستثمار ودخول الشركات العالمية مجددًا للسودان؟
نعم، إذا رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بالضرورة سوف تعود علاقاته مع العالم الغربي الأوروبي والأمريكي والعالم العربي، أيضًا يمكن بعدها إعداد البلاد لانتخابات حرة، وأهم ما في هذا الموضوع وضع دستور دائم للبلاد تتوافق عليه كل القوى طبعًا مع قانون الانتخابات ومسألة الإحصاء السكاني، وسوف تحسم مسألة الحكم ومسألة القوانين كذلك.
ما هي قراءتك لخلفيات الوزراء السياسية هل سيؤثر كون أغلبهم من قوى يسارية، هل من المتوقع أن تحدث خلافات مستقبلًا؟
إذا كان الأمر حقيقة فهذا يعني أن التجانس وارد ونضمن بذلك التجانس داخل مجلس الوزراء، ولكن في الغالب تصورهم في عملهم هو تصور الحزب، وكما ذكرت لك إذا كانوا يساريين فإن عملهم السياسي سوف يرتبط بماذا يريد الحزب الشيوعي مثلًا، إذا كان الأمر كذلك أغلبهم من الحزب الشيوعي ولكن الخلافات واردة. حمدوك قال إن الخلاف مطلوب وهنالك حرية كاملة لأن العملية كلها مرتبطة بالمصلحة العليا، بالتأكيد نحن مقبلون على نظام ديمقراطي ولذلك ليس على مجلس الوزراء أن يتخذ مبدأ الأغلبية في اتخاذ القرار بل عليه أن يتخذ القرارات بالتوافق، ويجب التوافق على المصالح العليا للسودان.
إذًا ما مدلول قرار مجلس الاتحاد الإفريقي برفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي؟
هي خطوة مهمة أن يعود السودان إلى الاتحاد الإفريقي، ولا أدري لماذا رفض عضوية النظام السابق لأن رفع عضويته كان بمثابة ضغط على المجلس الانتقالي حتى يتنازل لمطالب قوى التغيير، وعلى الاتحاد الإفريقي الاتصال بأوروبا وأمريكا لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، والاتحاد الإفريقي لا مال له ولا يفيدنا كثيرًا إلا إذا ساعدنا في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وفتح الأبواب أمام السودان للعالم الخارجي والشركات العالمية والشركات الاستثمارية حتى تكتمل حلقة التكامل الاقتصادي والاستثماري مع العالم.
ربما يلاحظ المراقب أن حكومة حمدوك قد حظيت باحترام شعبي وجماهيري غير مسبوق مما يعطيها دفعات تساعد في الوصول إلى حلول للأزمة السياسية؟
نعم، حكومة حمدوك حكومة شعبية حظيت بمساندة الشعب، من ناحية عامة هي مقبولة، وقد يكون هنالك من يعارضها في بعض الأحزاب، لكن من ناحية عامة هي حكومة لديها سند وهم الثوار الذين أسقطوا حكومة الإنقاذ، إذًا السؤال هل يعني ذلك ألا تتم نزاعات داخل هذه الحكومة لو ارتبطت ممارسة الوزراء في وزارتهم بالكفاءات المهنية والخبرة الطويلة الممتازة، من المهم أن يكون هنالك توافق بين الوزراء.
إذًا ربما يطرح السؤال صعوبات مسألة السلام والوصول إلى حلول بشأنها؟
نعم في قضية الحرب نجد مثلًا أن جزءًا من الأراضي السودانية محتل من التمرد ومنعزل، وقد لا يكون مثل حركات دارفور الحدودية. والسلام الذي نقصده هو إيقاف الحرب مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وهي جزء من الجبهة الثورية التي هي من المكونات الأساسية من الحرية والتغيير، وما دامت الحركة الشعبية هي جزء من المكونات كنت أعتقد أنه بمجرد سقوط النظام وانتصار قوى التغير أن يكون القرار التلقائي هو (أرضًا سلاح) وإعلان السلام لكن لم يحدث ذلك وأعلنت الحركة الشعبية معارضتها للحكومة مما دعا الحكومة للجلوس معها في تفاوض مرتبط بالمحاصصة لأن الحركة الشعبية تريد المشاركة في المستويات الثلاثة (مجلس الوزراء، المجلس السيادي، المجلس التشريعي) أضف إلى ذلك أنه في تصور الحركة الشعبية سؤال مركزي كيف يحكم السودان؟ هذا مرتبط بالدستور وما دامت قوى التغيير قد ارتضت دستور 2005م كموجه في كتابة الوثيقة الدستورية، ودستور 2005م الذي وضعته الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني يوضح أن للحركة الشعبية طموحات أخرى غير مرتبطة بصناديق الاقتراع.
إذًا برأيك ما هي الوصفة السحرية للخروج من الأزمة الاقتصادية وما هي التدابير الممكنة؟
نعم السودان غني بموارده الاقتصادية والبشرية إذ فتحت له أبواب التعاون العالمي اقتصاديًا واستطاعت حكومة حمدوك أن تضع أولويات للجوانب الاقتصادية، يمكن حل المشكلة في ظرف سنتين على الأقل، وذلك بأن تضع وزارة المالية يدها على كل إيراداتها وتوقف الفساد المالي، إضافة إلى تقديم المشاريع سريعة الإيراد بأقل تكلفة مثل الذهب والصمغ العربي والموارد الغذائية والبترول، أثناء ذلك يفترض أن يفتح المجال لتخفيض نسب البطالة في السودان، فالبطالة كانت من الدوافع الأساسية للثورة ولابد لحكومة حمدوك أن تقدم الحلول للبطالة لما لها من آثار على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعندما نتكلم عن الاقتصاد نتكلم عن انخفاض نسبة البطالة والشباب الذي يعاني من البطالة متعطش وقد لا يصبر كثيرًا لذلك على السيد حمدوك أن يضع نصب عينيه هذه المسألة المهمة.
ربما يشكل حمدوك شخصية مهمة في هذه المرحلة المفصلية، ألا توافقني الرأي بأن حمدوك أصبح شخصية مهمة جدًا في مرحلة التاريخ السياسي؟
نعم سبق أن تم اختياره كوزير للمالية في عهد الإنقاذ الذي ولى ورفض، والآن تم اختياره بواسطة قوى الحرية والتغيير وبالتالي هو مقبول من الحكومة والمعارضة إذا اعتبرنا أن المؤتمر الوطني معارضة، لكن الرجل عليه إجماع ولديه فرصة كبيرة جدًا ليترجم كفاءاته وإرادته في قيادة الحكومة، فإذا نجح في هذا المسعى سيجعل لنفسه رصيدًا سياسيًا يدخله الساحة السياسية السودانية وسوف تتجاذبه الأحزاب السودانية المختلفة أو يجد نفسه مع هذا التحالف أو ذاك فتظهر زعامة سياسية جديدة في السودان لا علاقة لها بالحزبية ولا علاقة لها بالقبلية، ذلك هو مستقبل حمدوك إن نجح في مهمته في الفترة الانتقالية؛ لأنه ليس هناك زعيم سياسي يجمع عليه الناس.
وفي الغالب سيكون زعيمًا كبيرًا لتحالف حزبي جديد لا نستطيع أن نتعرف عليه الآن.
السؤال كيف يحكم السودان على ضوء قراءتك للراهن السياسي؟
ربما أعلن حمدوك ذلك الأمر كأولوية وهو عنوان كتابي الأسبق الذي نشر في عام 2014م، فإن نجح في مهمته الأولى الاقتصادية والسياسية لابد أن يرتبط هذا النجاح بالمهمة الملحة وهي كتابة دستور دائم للسودان تتوافق عليه كل القوى السياسية، وهو الدستور الذي سيفصل كيف يحكم السودان والذي وضعته في كتابي (الديمقراطية التوافقية) التي ظهرت كحل ناجع للمجتمعات متعددة الثقافات والأديان والأعراق، وهو منهج واقعي وليس بمنهج فلسفي فكري لأنه منتج أثبت نجاحه في كثير من دول العالم، وقد وضعت ذلك في اقتراحين في كتاب ليّ تحت الطبع (الحزبية والتحول الديمقراطي في السودان).
سيد الساعوري شكرًا لك
شكرًا لك أستاذة ماجدة عدلان

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق