الأثنين, 23 سبتمبر 2019 01:14 مساءً 0 450 0
قرار اعتماد جالية جدة (أي قرار هذا يا أمين جهاز المغتربين ، انه يرمي بشر)
قرار اعتماد جالية جدة (أي قرار هذا يا أمين جهاز المغتربين ، انه يرمي بشر)

بقلم : سيف الدين عيسى مختار/ جدة

من أمتع مراحل العام تلك المرحلة التي تنقر على جدار الصمت لتحدث صوتا داويا حين يكون اللجوء الى ممارسة العمل العام ابتكارا لحياة جديدة واقتدارا على تحويل المستحيل الى ممكن والزح بالتواجد المتحرك الشديد الاضطراب الى دائرة الانتظام ليصبح من ثم منتوجا ثقافيا واجتماعيا وفكريا متواصلا عبر مسيرة الهجرة. بهذا المفهوم نستطيع استنبات مفاهيم تعنى بنقد وتحليل خطابنا الجاليوي وكيفية تشكيله، سواء أكان هذا الخطاب اجتماعيا أو ثقافيا، فالجالية لسان المغترب وصوته حين تصير اقتحاما للأفكار المغلقة، وحين تكون ذات جرأة على الواقع تعريه وتظهر الخلل الذي فيه، الجالية هنا ستتحول الى مؤسسة شعبية حدودها مفتوحة على الجميع ان هي تخلت عن تخمة الشعور بالأنا ونهم النفوس الجائعة الى العظمة.
وبادئ بدا قد يسأل سائل – وحق له ذلك - ما هي جالية جدة؟، وما هو القرار الذي يستبطن فيه وميض فتنة لا تبقى ولا تذر؟ ومن الذي اتخذه؟ وما الغرابة في اتخاذ قرار وقد ظل السودان يعيش أزمة القرارات الخاطئة منذ استقلاله والى يوم الناس هذا؟ الإجابة وببساطة ودون أن ندخل في تفاصيل قد تصرفنا عن هدف هذا المقال، أن الوجود السوداني في السعودية وخاصة في الحجاز، كان وجودا متميزا وفاعلا في المجتمع السعودي خلّف لنا السمعة الطيبة والمكانة الخاصة بين كل الشعوب الأخرى وذلك منذ أن عرف السودانيون الهجرة بقصد العمل في هذه البلاد في العصر الحديث. لقد كان اغتراب السودانيين الأوائل اغتراب صفوة أسهم في نهضة البلاد التي زاروها أمثال الشيخ عبد الله حمدوه السناري ( 1857 -1931م) الذي درّس في الحرم وأنشأ كتابا خاصا به في مكة المكرمة وكان أحد معاوني الشيخ محمد على زينل في تأسيس مدرسة الفلاح في العام 1905م، وقد عينه الملك عبد العزيز في أول مجلس للمعارف أنشيء عام 1927م، والشيخ أحمد محمد سوركتي أحد مدرسي المسجد الحرام و رائد حركة الإصلاح والإرشاد العربية في إندونيسيا، والداعية ساتي ماجد محمد القاضي (1883-1963م) الذي أصبح شيخاً للإسلام في أمريكا الشمالية، والأستاذ سعيد القدال (1903-1975م) مفتش التعليم المدني ووزير السلطنة القعيطية في حضرموت .
بقول الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك   ومن هذه الزاوية فإن اسهاماتهم تصب في إطار إبداع الفرد السوداني.في أراضي المهجر، وتمثل أنموذجاً فريداً لعطاء أبناء ذلك الجيل الذين عاشوا فوق أمجاد بنوها بنور العلم لا عُمد الرخام. عليه فإن سيرهم لا تصلح كمشروع بحث منهجي لدراسة ظاهرة الاغتراب السودانية في مضمونها الجمعي، لأن بواعثها واسهاماتها ونتائجها تختلف اختلافاً جذرياً مع ظاهرة الاغتراب الحالية التي تقوم على ألوان طيف شتى من البواعث والمسببات، والوسائل والغايات، والكسب والعطاء. أولئك الأعلام جسدوا عطاء الفرد السوداني في أبهى صوره، لأنهم كانوا سفراء دبلوماسية شعبية حقيقية لا تقتات من سنام المال العام، ولا تنظر إلى التواصل مع الآخر من منظور مهنة مدفوعة الأجر .
بعد ذلكم الجيل وصل جيل آخر من السودانيين الذين وفدوا من مصر بعد أن تحققوا من أن شمس الملكية تغرب في عين اشتراكية ناصر، وبعد أن بدأت بشائر شمس النهضة تطلع من شط الخليج وتجذب اليها الناس من كل صوب وحدب، فأتوا بمهن مختلفة وشكلوا مجتمعا مميزا بعمائمهم وعزائمهم وشيلانهم و عنقريباتهم  كما يقول الدكتور عبد الله مناع. في هذا الجيل الوسيط كانت الجالية متحققة في الرجال الذين حملوا مسؤولية خدمة السودان والسودانيين على عواتقهم دون أن تكون لهم مسميات أو وظائف في العمل العام، فاحتفلوا باستقلال السودان في العام 1954م واستضافوا الزعيم الأزهري بعد عودته من باندونج وهيئوا له تذكرة الرجوع الى السودان بعد أن تقاعست مصر عن ذلك اثر خلاف نشب بين عبد الناصر والأزهري في مؤتمر باندونج، وساهموا بفعالية واقتدار في تهيئة الفرص الوظيفية للقادمين من السودان وتيسير سبل الحج والعمرة للمعتمرين والزوار، واستضافوا في دورهم وجمعياتهم كل القادمين الى السعودية للحج أو العمل.
اعترافا بهذا الدور عين الرئيس الأسبق جعفر نميري العم ساتي صالح رئيسا للجالية السودانية بجدة مدى الحياة لا ينازعه فيها منازع. استمر العم ساتي صالح رئيسا للجالية السودانية الى أن جاءت حقبة الثمانينات وكثر عدد السودانيين وجاء جيل جديد من خريجي الجامعات والمدارس العليا فأصبحوا ينادون بضرورة تحديث الجالية ووضع الضوابط والنظم التي تقوم عليها، ثم كان عهد الإنقاذ فجاء العقيد وقتها محمد الأمين خليفة وكوّن ما يسمى بهيئة المغتربين برئاسة المرحوم أحمد العتباني، وقد ضمت هذه الهيئة في لجنتها التنفيذية بعض النافذين في الحركة الإسلامية مما أدى الى تذمر العديد من المغتربين واحتجاجهم بأنها لا تمثلهم ، خاصة وان أعضاء الأحزاب الآخرين المعارضين كانوا قد دعوا الى مقاطعة القنصلية وما يتصل بها من لجان وكيانات، وقد تطورت هيئة المغتربين الى نظام جديد برئيس وأمين عام ولفترة زمنية محددة، ثم أعقب ذلك فترة ركود تجاوزت ثلاث سنوات دون أن تكون هنالك جالية حتى بادر السفير أحمد التجاني بدعوة عدد من القانونيين وقيادات الأحزاب المختلفة لوضع نظام أساسي جديد للجالية تم بموجبه تكوين جالية بمجلس ولجنة تنفيذية استمرت حتى 2006 م، لكنها لم تستطع عقد جمعيتها العمومية بسبب عدم جاهزية الكيانات والروافد المكونة لها من تصعيد ممثليها للجالية لتدخل بعدها الجالية والى يومنا هذا في نفق الخلافات والمبادرات واللجان المختلفة، حاول معها الأمين الأسبق حاج ماجد سوار التوفيق بينها ، فحضر الى جدة ثم أصدر قراره بتكوين لجنة لتسيير الجالية بعد أن حدد لها مهاما معينة تلخصت في تعديل النظام الساسي، وتسيير عمل الجالية ، والدعوة الى الجمعية العمومية، وقد أنجزت لجنة التسيير مهمة تعديل النظام ورفعته الى الجهاز، ولم تستطع تسيير عمل الدجالية للعراقيل  العديدة التي وقفت أمامها سواء من قبل القنصلية أو من قبل المجموعات المناوئة ، والحال كذلك لم تستطع عقد الجمعية العمومية للجالية، وعلى الرغم من ذلك سعت لجنة التسيير الى حث روابط الولايات والجمعيات المهنية الى عقد جمعياتها العمومية وتجديد مجالسها التنفيذية تمهيدا لتصعيد ممثليها الشرعيين، الا أن الأمين العام السابق الدكتور كرار التهامي أصدر قرارا بوقف أي تكوين أو عقد أي جمعية عمومية للجالية لحين حضور وفد من جهاز المعتربين للاشراف على تلك التكوينات. وعلى الرغم من تلك التعليمات الصارمة، الا أن مجموعة محدودة العدد ضربت بقرار الجهاز عرض الحائط وعقدت اجتماعا في أحد فنادق جدة (فندق البحر الأحمر) وكونت جالية بمجلس ومكتب تنفيذي (وهي اللجنة التي يراسها المستشار عبد الله الشيخ)، وبخطوة مفاجئة لم يتوقعها حتى أشد المتفائلين أصدر الأمين الحالي لجهاز العاملين قرارين أولهما اعتماد هذه الجالية التي جاءت متحدية لقرار الجهاز نفسه ومتجاوزة للقاعدة العريضة من المغتربين ، وعلى غير نظام أساسي أو دستور متفق عليه، وقد جاء في أدبياتها أنها اعتمدت على المصعدين منذ العام 2006م، علما بأن هذه المجموعة نفسها كانت من أوائل المنادين بضرورة تعديل النظام الأساسي واقترحت نظاما جديدا نشرته في المواقع الأسفيرية، بل وحددت رئيسا للجالية المقترحة ودعت أنصارها للقسم على المصحف الشريف أن ينتخبوه رئيسا (وهذا أغرب قسم في التاريخ، فالذي يقسم عادة هو الذي يكلف بمهمة ما يقسم على أن يكون عادلا ومتبعا لقوانينها، أما أن يقسم الأعضاء على أن لا ينتخبوا سوى زيد من الناس فذلك استخفاف بعقولهم ان كانوا يعلمون) . أما القرار الثاني فكان قرار الغاء لجنة التسيير دون ان يكلف نفسه مساءلتها عما أنجزت أو ما أخفقت فيه، وهذه هي القسمة الضيزي والقرارات المجحفة التي عطلت السودان ثلاثين عاما، وها هم بعض المسؤولين ما يزالون يديرون أعمالهم بنفس تلك العقلية  المتمثلة في التصرف فيما أهو موكل اليهم وكأنه من ضمن أملاكهم ومقتنياتهم الخاصة، ولذلك راينا طوال فترة الإنقاذ العديد ممن ارتبطت الوزارة بهم رعم اخفاقاتكم الظاهرة، فأمين عام الجهاز يقال من منصبة ويتعرض للمساءلة، ثم يعاد مرة أخرى الى منصبه، فان كان بريئا لماذ اقيل، وان لم يكن كذلك لماذا أعيد، وهذا نموذج واحد والا فالأمثلة لا تعد ولا تحصى. وجالية جدة نموذج آخر صارخ، فهذه مجموعة نصبّت نفسها جالية دون قاعدة ودون نظام أو سند شعبي. وعلى الرغم من ان هذه المجموعة خرقت قوانين وتعليمات جهاز العاملين بالخارج، الا أن الجهاز وفي ظل قيادة الأمين العام الحالي قام بمكافئتها واعتمادها. كجالية.
يبدو ان هنالك خللا ما في مفهوم جهاز المغتربين للعمل العام في المهجر، هذا الجهاز الذي كان من المؤمل أن يعمل كهيئة لتتبع وتقييم كل ما يتصل بالسياسات المتعلقة بالمغتربين السودانيين ويكرس جهوده للدفاع عن المصالح المشروعة لهم وتقوية مساهمتهم في التنمية الاجتماعية والبشرية للوطن وتعزيز علاقات الأخوة والصداقة والتعاون بين السودان والمملكة، وهذا هو الارث الذي خلفه لنا الآباء من الرعيل الأول من السودانيين الذين استطاعوا بثاقب فكرهم أن يساهموا في نشر الثقافة السودانية في ظل واقع مهجري متأزم كانت الحاجة فيه ماسة إلى فكر جديد لمواجهة حياة شديدة التعقيد، سريعة التغير. فالمغتربون يعيشون تحت ضغوط مطالب معيشية متزايدة، ومتغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية مستمرة، يستلزم معها أن يكون خطاب جهاز المغتربين  واضحا ومحددا. يضع النقاط فوق الحروف لكثير من القضايا والملفات التي يفرزها واقع الهجرة وان يكون هذا الخطاب ذا صبغة متوازنة ومعترفا  في ذات الوقت بقيمة جاليات المهجر وقدرتها على تقديم انجازات ملموسة ورؤى واضحة وانضباط قادر على الحد من الطموحات الذاتية، واعادة تجميع أبناء السودان للعمل يدا بيد من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، ولن يتحقق ذلك ما لم يكون التوافق على الجالية تاما وفق نظام أساسي يتفق عليه الجميع واشراف من الجهاز الذي ينبغي أن يكون على مسافة واحدة من الجميع
وما دام الأمل في غد مشرق كان هو حافز الهجرة الأول، فان على الجالية أن تلعب على وتر هذا الامل وتحويله من تطلعات فردية إلى حلم مجموعة، يتخطى المغتربين ليشمل كل الحادبين على تطوير وازدهار وطننا.
ان الجزء الاكبر من خطابنا يجب أن ينصب على ايجاد وعي ذاتي بمعنى الهوية ومعنى الانتماء. لو استطعنا تعميم الوعي بضرورة وأهمية الشأن العام لأصبحنا أضخم منظومة اقتصادية اجتماعية ثقافية.
لقد عرفت الهجرة السودانية تحولات عميقة بسبب عدة عوامل نلخص منها: هجرة متزايدة (تواجد المهاجرين السودانيين في جميع القارات، رغم أن معظمهم يستقرون في دول الخليج العربية)؛ تزايد أعداد النساء المهاجرات والعائلات وظهور مشكلات اجتماعية جديدة لم تعرفها الهجرات الأولى و.بروز جيل من الأبناء المولودين في المهجر وترعرعهم حارج السودان مما يستدعي التصدى لقضاياهم المختلفة وادماجهم في الثقافة السودانية.
إن الهجرة المتزايدة للسودانيين والناتجة عن افرازات العولمة وتعدد مناطق الجذب في العالم من حولنا اضافة الى سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية في الوطن، أدت الى هجرة أصحاب الكفاءات والمؤهلات العالية. وعليه فاننا نرى بأنه في مسألة الهجرة يجب أن تتحول جالياتنا المختلفة الى مجالس استشارية لأصحاب القرار والتنفيذيين في الوطن خاصة في الأمور المتعلقة بالهجرة،علاوة على ما تقدم فقد ظللنا نقدم العديد من المطالب ذات الصلة بالإشكالية الثقافية، والتي تشمل ضمن ما تشمل خلق بيئة ملائمة يمكن أن تحتضن ابداعات أبنائنا الذين ترعرعوا بعيدا عن السودان وعكس تلك الابداعات في برامج الاذاعة والتلفزة وتنظيم المعارض والمهرجانات الثقافية، إلخ.
لقد ترك لنا الأجداد ارثا ضخما تجسد في تلك الأوقاف السودانية في أرض الحرمين الشريفين والتي يعود تاريخ أقدمها وصولا الينا الى العام 945هـ ، وهو ذلكم الوقف الذي أوقفه الشيخ عجيب المانجلك في المدينة المنورة، والأوقاف السودانية في جدة ممثلة في مباني بعثة الحج ومباني القنصلية القديمة والتي تحولت الى أوكار مهجورة وخرائب لأكثر من عقد من الزمان.. أوليس كل من تولى مسؤولية في الأوقاف أو في القنصلية مسؤولا عن هذا الخراب والدمار الذي حل بها وعن الملايين المهدرة والسودان في أمس الحاجة الى فلس واحد،
أو لا نطالب وبشدة محاسبة كل المسؤولين عن مال الوفاء، من الذي قضى بأن تعتبر أتاوة يدفعها المغترب كل عام ، وهي في الأصل كانت لمرة واحدة، وأين مال الوفاء هذا ومن الذي يتصرف فيه، ولماذا صمت الأذان عن سماع نداءاتنا المتواصلة لإلغائها، وكيف تصرف؟ هل يذهب نصفها الى تطوير وتنمية وزارة الدفاع أم تذهب لترفيه أفراد من قواتنا المسلحة، والنصف الآخر هل يصرف بالفعل على المحتاجين من أبناء الجالية؟ أسئلة مشروعة في حاجة الى إجابة شافية.
لقد كانت الأزمة الحقيقية فيما مضى تكمن في عدم قدرة جهاز المغتربين على اصدار قرار شجاع بتكوين الجالية ، ولكن الجهاز وكل المسؤولين ذوي العلاقة في الحكومة السابقة عملوا على تعطيل قيام الجالية، فكانت كل وفودهم التي تأتي لهذا الغرض تعمل بكل ما أوتيت بقوة لاضرام نار الخلافات وتركها مشتعلة حتى تكون ذريعة وسببا لعدم قيام الجالية، وحين اتخذ القرار الأخير، كان قرارا خاطئا باعتراف الأمين العام نفسه في اجتماع له مع ممثلي لجنة التسيير اذ قال لهم وبالحرف الواحد انه يدرك أن القرار خاطيء لكنه لا يستطيع الغائه بل سيقوم بتجميده الى أن يأتي على راس وفد عال. ولقد كان سبب اتخاذ القرار المشؤوم أن زاره وفد من تلك الجالية وأقنعه بأنهم هم الوحيدون في ساحة العمل العام. ونقول لسعادة الأمين العام أدرك الأمر قبل أن يستفحل ، فليست المصيبة في اتخاذ قرار خاطيء ولكن المصيبة في التمادي في الخطأ ، وانك بهذا القرار تؤسس للفوضي العارمة التي لن تبقي ولن تذر لهيبة الجهاز شيئا، فادرك الأمر فما أنت بكبير على النقد والتوجيه، وما نحن بأحوج منك على ان نسمع من بعضنا البعض ولات حين مندم.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق