الثلاثاء, 03 ديسمبر 2019 01:41 مساءً 0 289 0
تأملات
تأملات

 إتحاد العمال.. جزاء سنمار 

عندما علمت أن الاتحاد العام لنقابات عمال السودان مستهدف بالحل ضمن الجهات المستهدفة بقانون تفكيك حزب المؤتمر الوطني، تذكرت قصة المهندس المعماري (سنمار) الذي بني قصرا فخيما لأحد الملوك، فلما اكتمل بناء القصر أخذ الملك سنمار إلي أعلي مكان في القصر، ثم قذف به أرضا ليلقي حتفه، فلما سأله الناس لماذا فعل ذلك، قال لهم حتى لا يبني قصرا مثله لغيره.
صحيح أن الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، لم يكن جهة سياسية، ولم يكن مع أحد ولا ضد أحد، لكنني لا أجد جهة في السودان أسبق ولا أكثر كسبا من اتحاد العمال في العمل والدعوة والسعي من أجل أن يكون السودان للجميع، ولو ان غيره كان له مثل كسبه لادعي أنه صاحب الفضل الأكبر في تفكيك نظام الإنقاذ، أقول ذلك ليس شاهد عصر فحسب، ولكنني كنت شريكا أصيلا في هذا، ويعود الفضل من بعد الله تعالي لاتحاد العمال في كسر حدة الصراع بين الحكومة والمعارضة خلال سنوات الإنقاذ الأولى، وكان لهذا الدور أثره في تجنيب السودان الوقوع في مزالق مهلكة كان من الممكن أن  تورد بلدنا موارد الهلاك.
فلما انطلقت مبادرة الشريف زين العابدين الهندي للحوار، وتكونت الهيئة الشعبية للحوار الوطني والسلام، ماعونا للحوار الوطني، وحاربتها الجهات الأمنية والسياسية الرافضة للانفتاح، ورافضة لقبول الآخر، وضيقت عليها الخناق، لم تجد الهيئة ملاذا آمنا غير دار الاتحاد، فكنا نعقد اجتماعاتنا الراتبة مساء كل إثنين من كل أسبوع في دار الاتحاد، وكان ذلك يتم رغم أنف الأجهزة الأمنية التي كانت رافضة لذلك، ومن شهود ذلك الأحياء الأستاذ عثمان عمر الشريف المحامي، والبروفيسور مالك حسين، والأستاذ محجوب عروة، والدكتور لام اكول، والدكتور عصام أحمد البشير، والأستاذ نور الدين مدني، والأستاذ آمين بناني، والأستاذ عادل سيد أحمد، ومن قادة اتحاد العمال في ذاك الزمان السادة تاج السر عبدون، وهاشم محمد البشير، وحسن محمد علي، وعبد اللطيف الأحمر، وغيرهم.
ومما يحفظ لاتحاد العمال أنه كان يفتح قاعته للندوات التي تدعو إلي الحوار والوفاق، ووحدة الصف الوطني، وكانت مثل تلك الندوات مضيق عليها من الأجهزة الأمنية، وكان اتحاد العمال يأويها ويحميها، وينفق عليها، ومن أشهر الندوات التي نظمتها واستضافها اتحاد العمال استضافة كاملة، ندوة عن الحوار ومطلوباته، تحدث فيها السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، والمرحوم الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، والمرحوم الأستاذ سيد أحمد الحسين الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وثلاثتهم كانوا من المعارضين لحكومة الإنقاذ، ونقلت هذه الندوة قناة الجزيرة علي الهواء مباشر، ورفض رئيس الاتحاد آنذاك البروفيسور إبراهيم غندور الاستجابة لطلب ممثل الأمن وقف البث، وبسبب هذه الندوة تم إغلاق مكتب الجزيرة، وضيق علي مراسلها الاستاذ اسلام صالح فاضطر الي الهجرة، واحتضن الاتحاد أيضا ندوة عن دارفور شارك فيها عدد من القيادات السياسية بصفة عامة، والدارفورية بصفة خاصة، وكان الحديث عن قضايا دارفور في ذاك الزمان من المحرمات.
ومنذ أن بدأت صلتي المباشرة مع اتحاد العمال قبل نحو أربعين عاما علي عهد مايو، لم يكن للاتحاد صلة مباشرة مع الحكومة، ولم تتدخل أي حكومة في اختيار قياداته، او تسيير اعماله، فذهبت مايو وجاءت حكومة الفترة الإنتقالية بعد انتفاضة رجب أبريل 1985م، وظل الحال كما هو في اتحاد العمال، وانتهت الفترة الإنتقالية وجاءت حكومات الديمقراطية الثالثة كلها دون أن تتدخل في أعمال الاتحاد، وجاء نظام الإنقاذ في الثلاثين من يونيو عام 1989م، ولم يتدخل في أعمال الاتحاد ولا في تغيير قياداته، فذات الذين كانوا يقودون الاتحاد علي ايام الأحزاب ظلوا هم أنفسهم قادة الاتحاد في عهد الإنقاذ، إلا قلة قليلة خلطت العمل السياسي بالعمل النقابي. ومن القيادات البارزة والرموز التاريخية للاتحاد خلال هذه السنوات الأربعين التي مضت الذين عايشتهم نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر، نصر قناوي، ومحمد عثمان جماع، وعباس الخضر، وأبو شامة، ومحجوب الزبير، وعبد الرحمن عباس، ومحمد السيد سلام، وعبد الرحمن قسم السيد، وأبو الريش، ومن الملاحظ أن من بين هذا العدد المحدود إسلاميون وحزب أمة، ويساريون، واتحاديون، وكلهم كانوا يعملون جنبا إلي جنب، تجمعهم الحركة النقابية العمالية.
والناظر بموضوعية وعدالة للحركة النقابية السودانية خلال عهد الوحدة النقابية يجد أنها قد حققت إنجازات ضخمة للقاعدة العمالية، وظل الاتحاد طوال سنواته الماضية منحازا إلي قضايا قاعدته النقابية، وكثيرا ما دخل في مواجهات مع الحكومة في سبيل الحفاظ علي مكتسبات العمال، وحدث ذلك كثيرا في عهد الرئيس السابق البروفيسور إبراهيم غندور، وعهد الرئيس الحالي المهندس يوسف علي عبد الكريم، ومعلومة المعارك التي دارت بينهم ووزراء المالية، بسبب حقوق العمال، فلو أن الحكومة مضت فيما نوت عليه، وأقبلت علي حل اتحاد العمال، تكون قد ارتكبت جناية لم يسبقها عليها أحد، وأرجو ان تجد الحكومة من بين عقلائها من يثنيها عن ذلك، ويردها عن طريق المهالك الذي يقودها إليه بعض اوليائها من السياسيين قبل أن تقع في ورطة يصعب الخروج منها بغير خسائر فادحة.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق