الأحد, 15 ديسمبر 2019 01:27 مساءً 0 324 0
تأملات
تأملات

أحمد البلال ..وتصحيح المسار

كنت قد وعدت في مقال الخميس الماضي الذي كتبته بعد أسبوع من التوقف بسبب مشاغل إجتماعية عديدة، وعدت أن يكون مقال اليوم عن المظالم التي يتعرض لها صديقنا الأستاذ أحمد البلال الطيب، إلا أن مسيرة الأمس التي سيرتها بعض القوي السياسية المعارضة لقوي إعلان الحرية والتغيير، وأسمتها مسيرة تصحيح المسار، هذه المسيرة فتحت الباب أمام موضوعات مهمة لا يمكن تجاوزها، فوجدت من الأفضل الجمع بين الموضوعين، لا سيما وأن الموقف من أحمد البلال يحتاج أيضا إلي تصحيح مسار.
سألني كثيرون قبل الأمس عن توقعاتي لمسيرة الزحف الأخضر، فكنت أقول لهم مهما كانت نتيجتها فإنها مهمة للجميع، ومهمة لمسيرة العمل الوطني، وفي تقديري أنها قد قدمت دروسا وعبر تستحق أن نقف عندها، وأعتقد أنها يمكن أن تصحح مسارات عدة، أول ما قدمته هذه المسيرة أنها أكدت علي عظمة المؤسسات العسكرية والأمنية السودانية، فلقد وقفت كلها موقفا مشرفا، فكانوا في منتهي المسؤولية والوطنية، والاحترافية، فتعاملوا مع المسيرة بذات الطريقة التي تعاملوا بها مع مسيرات قوي إعلان الحرية والتغيير السابقة، فأغلقوا ذات الطرق التي كانوا يغلقونها، فسدوا منافذ الوصول إلي القصر الجمهوري، والقيادة العامة، فيما عدا ذلك جعلوا المتظاهرين يسيرون كيفما يشاؤون، ولم يعترضوا طريق أحد، ولأن المتظاهرين كانوا علي درجة عالية من الرقي والإلتزام والاحترام، لم تحدث أي مناوشات، او مصادمات بين المتظاهرين، وبين القوات الأمنية التي كانت منتشرة في الشوارع، وكانت الهتافات محددة، وملتزمة، ولما انتهي الوقت المحدد للمسيرة انتدبوا بعضا منهم لتسليم مذكرة إلي المجلس السيادي حددوا فيها مطالبهم التي من أجلها خرجوا.
لقد أعلن المتظاهرون الذين كانوا يمثلون قوي سياسية مختلفة، وكثيرين من غير الملتزمين، أعلنوا أنهم سوف يوالون الخروج إلي أن تتحقق مطالبهم، ومعلوم أن هناك بعض قوي الثورة التي لم يرضها إيقاع الحكومة ظلت تخرج في مظاهرات غاضبة، وتغلق الطرقات، وتهدد بمزيد من المظاهرات، وهناك من يتظاهرون بسبب ما يرونه تراخ من قبل الحكومة في حسم ملفات يرونها الأهم، مثل ملف شهداء الثورة، والمفقودين، ورد المظالم، ومحاسبة الذين أفسدوا ونهبوا خلال العهد السابق، وتوجد مجموعة تمثل الأغلبية الغالبة يخرج بعضهم مع كل الذين يخرجون، وهؤلاء يستحقون الالتفات لقضيتهم بقوة قبل أن ينفجروا، وهؤلاء هم الذين يعتبرون أن من أهم الأسباب التي أسقطوا بسببها نظام الإنقاذ هي الأوضاع الإقتصادية المتردية، والحالة المعيشية التي لا تطاق، وكما هو معلوم فإن الأوضاع الإقتصادية زادت سواء ولا تلوح في الأفق أية بارقة أمل في انفراج يحدث قريبا، وكان البعض قد راهن علي مؤتمر المانحين من أصدقاء السودان، الذي التأم وانفض دون أي يلتزم أحد من الأصدقاء بدولار واحد، وهؤلاء لا أتوقع أن تكون لديهم مقدرة علي مزيد من الصبر.
وإزاء هذه المشاهد القاتمة فإن المسار محتاج علي الأقل إلي مراجعة، وأول من يجب عليهم فعل ذلك هم قوي الثورة الذين يحتشدون تحت مظلة قوي إعلان الحرية والتغيير، ولا أقول ما يقوله آخرون يدعونهم إلي تمثل شعار الثورة (سلام، حرية، وعدالة) ولا ادعوهم إلي التخلي عن سياسات العزل والإقصاء، ولكنني أقول لهم أن قطار الثورة لن يتقدم ما لم ينظروا إلي الأمام، فهم اليوم مشغولون بالمحاسبات، والتصفيات، أكثر من اهتمامهم بالبناء والتعمير، وحشد القوي الوطنية نحو غد مشرق، وقد لا يقنع كثيرين منهم مثال الرسول صلي الله عليه وسلم يوم أن انتصر علي مشركي قريش، ودخل مكة منتصرا، وجلس أهل مكة علي الأرض منكسرين، فسألهم الرسول صلي الله عليه وسلم، (ماذا تظنون أني فاعل بكم؟) فقالوا له (خيرا.. أخ كريم ابن أخ كريم) فكان رده صلي الله عليه وسلم، (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فقد لا ينفع هذا المثل مع الثائرين من قوي الإعلان لا سيما وأن من بينهم من يسخر من قوله تعالي، (النفاثات في العقد) و (تبت يدا أبي لهب وتب) ولذلك نقول لهم استفيدوا من تجربة رواندا، فعاصمتها كيجالي التي شهدت مصرع ثمانمائة مواطن تعفنت جثثهم في الشوارع هي الآن من أجمل العواصم العالمية، فلما سئل الرئيس الرواندي عن سر هذا الإنجاز غير المسبوق، قال طوينا صفحة الماضي، ونظرنا جميعا إلي الأمام، ولكن الملاحظ الآن أن بعض قيادات قوي الإعلان شغلهم الشاغل تصفية الخصوم، وفي ذلك الطريق يدخلون في معارك لا طائل من ورائها، مثل المعركة التي دخلوها مع سبق الإصرار والترصد مع الحركة النقابية.
المعركة التي لا أدري من يقف وراءها مع الأستاذ أحمد البلال الطيب، لو فكر صاحبها مرة واحدة لما أقدم عليها، وهي معركة أخسر من تلك التي شنها ضده بعض منسوبي التجمع الديمقراطى عقب انتفاضة رجب أبريل 1985م، فلقد شن البعض حملة عليهم مع الزملاء في جريدة الأيام المرحوم الأستاذ حسن ساتي، والدكتور محي الدين تيتاوي، وكان خصومهم قد زعموا أنهم يعملون في جهاز الأمن، وأنهم قد أثروا من مال الشعب، فلما برأت لجان التحقيق ساحته مع الدكتور تيتاوي وأمرت بعودتهما فورا إلي العمل في نفس درجاتهما الوظيفية ومناصبهما القيادية، جن جنون الزملاء منسوبي قوي اليسار واصدقاؤهم، وكل (م ن) وهذه اختصار إلي (مغفل نافع) التي كان يطلقها الشيوعيون علي الذين يتبعونهم من غير الملتزمين معهم، ودخلوا في إضراب شامل عن العمل، فلم يظهر علي سطح المواجهة سوي قلة من الزملاء لم تخفهم تهديدات أدعياء الثورة، وكنت أتولي مهام كثيرة في هذه المرحلة، فكنت أحضر المادة من صحيفة أخري، ولأن القسم الفني لا سيما المصممين أضربوا جميعا استعنت بالأستاذ جمال خلف الله الأستاذ في كلية الفنون، والأخ محمد عبد المنعم الذي كان لا يزال طالبا في السنة الثانية في كلية الفنون، ونسبة لملامح شكله قالوا احضرنا مصمم باكستاني، وأذكر من الأخوة الزملاء الذين صمدوا، ميرغني أبو شنب، وأسامة سيد عبد العزيز، والمرحوم حسن الرضي، وبابكر أبو الدهب، وحسن  محمد زين، وكان يشرف علي العمل رئيس مجلس الإدارة اللواء شرطة فضل عبيد.
والذين اتهموا أحمد البلال في ذاك الزمان، بالعمل في الأمن، والثراء الحرام، لم يكونوا يعرفون شخصيته ولا تاريخه، فأحمد دخل الصحافة بعقليتين، الإستثمار والأخبار، فأحمد بدأ حياته العملية في مصنع المبدعين، البريد والبرق، وكان يعمل في قسم سندات الادخار، وهذا ما كان يربطه بالصحف، وفي يوم من الأيام شهد حادث مرور في الطريق فصوره بقلمه، وقدمه للأستاذ إبراهيم عبد القيوم، الذي أعجبه تصوير القلم، فبعث معه مصور، فكان الخبر في صدر عدد اليوم التالي من صحيفة الأيام  (بالصورة والقلم) فأمر أستاذ إبراهيم بتعيينه فورا، وضمه إلي قسم الأخبار، وسرعان ما صار رئيسا للقسم، وحتى بعد ما صار أحمد رئيس تحرير، يقول أنه (مخبر بدرجة رئيس تحرير) والعقلية الخبرية التي سكنته جعلته يبحث عن الخبر في كل مظانه، وأحمد يمكن أن يصرف أي مبلغ في سبيل الحصول علي خبر، وأذكر في زيارتنا الأولي لنيفاشا مع بداية المفاوضات وصلت فاتورة موبايل أحمد البلال في أسبوعين فقط تسعة ملايين من الجنيهات، وهذا المبلغ كان يكفي لشراء منزل في ارقي أحياء الخرطوم.
ولم يترك أحمد الإستثمار بعد امتهانه الصحافة، بل استثمر فيها، وحرص أحمد جعله يحتفظ بمصدر كل قرش ناله، ولذلك برأت لجنة التحقيق ساحته، وأقول للذين يسألون عن سر ثراء أحمد اليوم، أقول لهم ارجعوا فقط لكشف حسابات صحيفة الدار، الدار التي تتربع علي عرش الصحافة السودانية لسبعة وعشرين عاما متواصلات، لم تتقدم عليها أي صحيفة سياسية او رياضية او إجتماعية أو غيرها، والدار هذه يمتلكها أحمد البلال وحده، ويقوم في مكاتبه، وتطبع في مطابعه، وتوزعها شركته، ويقوم عليها شقيقه مبارك المبارك، وصافي أرباحها يصل يوميا إلي عشرة ملايين من الجنيهات، هذه الملايين العشرة كانت لأكثر من عشر سنوات تساوي عشرة ألف دولار، ولو أن أحمد كان يحفظ أمواله هذه دولارات لبلغت ثروته النقدية الآن أكثر من مائة مليون دولار. ومن تصحيح المسار المطلوب إعادة قراءة حالة أحمد البلال الطيب هذا الرجل الذي أضاف للصحافة السودانية ما لم يضفه غيره، هذا غير صفحات مشرقة لا حصر لها ولا عدد يراها الناس يوم ان ينصب له الأوفياء من زملائه وأصدقائه، وأهله وعشيرته، وتلاميذه، حفل تكريم يليق بما قدم لمهنته، ووطنه، وأهله بإذن الله الكريم.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق