الثلاثاء, 17 ديسمبر 2019 01:34 مساءً 0 305 0
تأملات
تأملات

جمال عنقرة

مبادرات السيدين

وعدت في مقال الأمس أن أكتب اليوم بإذن الله تعالي عن مبادرات السيدين الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي، والسيد محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وكما قرأ الناس فإن السيد الميرغني دعا إلي وفاق وطني شامل يجنب البلاد التمزق والفرقة والشتات،ووصف المصالحة الوطنية المنشودة بأنها لا تضيع معها الحقوق، ولا يفلت من عدالتها ظالم، وأضاف السيد الميرغني بأنه قد حان الأوان الذي يضع فيه السودانيون مصالح البلاد فوق كل اعتبار، مؤكدا أن البلاد تمر بفترة عصيبة تستوجب توحيد الصفوف، وتوحيد المنابر للنقاش الصحي والهادي وفتح المنافذ للتسامي فوق الصغائر،ونبذ الإقصاء والكراهية. والقارئ لمبادرة السيد الميرغني يجد أنها متسقة مع مواقفه السابقة، ودعواته المتلاحقة لفرقاء السياسة السودانية للتنادي إلي كلمة سواء، وازدادت قناعتي بمصداقية وجدية مبادرة السيد الميرغني بتعيينه نجله السيد الحسن نائبا أول لشؤون الحزب، ووصول السيد الحسن لقيادة المبادرة بنفسه، ولست في مقام تفضيل أحد علي غيره، ولكنني أتيحت لي فرص للتعرف علي السيد الحسن عن قرب، وعرفت افكاره، ومواقفه، وخياراته، وشهادتي فيه غير مجروحة، فلقد جمعتنا قبل سقوط نظام الإنقاذ مبادرة للبحث عن طريق ثالث بين (تسقط بس) و(تقعد بس) ورغم أن السيف قد سبق العزل، إلا ان المبادرة التي كان يقودها السيد الحسن، ويحتضن اجتماعاتها الرئيسة منزل ابن عمنا الحبيب السفير الدكتور الفنان علي مهدي نوري السيد عبد الكريم في شارع الجزار بالرياض، وضمت المبادرة مجموعات متنوعة من أهل السودان، رغم خلافاتهم واختلافاتهم السياسية والحزبية، لكنهم كانوا جميعا علي قلب رجل واحد، ينشدون العبور الآمن للسودان وأهله، ولو أن هذه المبادرة كانت قد بلغت غاياتها المنشودة، لكان الوضع الآن غير، ولكن قدر الله، وما شاء الله فعل، ونتمني أن يفعل الله بنا، وبشعبنا ووطننا أفضل مما كنا نظن، وننتظر.
أما مبادرة السيد الصادق المهدي فهي تأتي استكمالا للأدوار التي ظل يقوم بها لجمع الصف الوطني، من أجل تجنيب البلاد والعباد ويلات الحروب والصراعات، ولا يزال الناس يحفظون له مغامرته بعد أشهر من الإنتفاضة الوطنية المسلحة التي قادتها الجبهة الوطنية المعارضة لنظام مايو صبيحة الجمعة الثاني من شهر يوليو عام 1976م، بقيادة الشهيد البطل العميد الركن محمد نور سعد، مع لفيف من المجاهدين من الأنصار والإسلاميين والاتحاديين، وما كان لهذه الانتفاضة أن تفشل لولا المخاونات والمؤامرات، ففي ظل هذه الظروف، والسيد الصادق المهدي محكوم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت غيابيا، غامر واستجاب لمبادرة الرجل الوطني العظيم المرحوم فتح الرحمن البشير، وعاد إلي السودان والتقي الرئيس نميري في عرض البحر في مدينة بورتسودان، وليس صحيحا أن ثقة السيد الصادق في وفاء الرئيس نميري بعهده، ووعده هي وحدها التي جعلته يقدم علي هذه المبادرة الخطيرة المفخخة، ولكن قناعته بحتمية التلاقي والتراضي هي التي جعلته يلتقط قفاز المبادرة، وعاد إلي السودان دون قيد أو شرط، وفعل مثلها في شهر الإنقاذ الأول حينما خرج من مخبئه، وقصد تسليم نفسه بعد أن اطمأن قلبه، وتأكد أن هؤلاء الضباط وطنيون، وليس لديهم ولاءات خارجية، وكتب مذكرة يدعو فيها لحوار من أجل وحدة أهل السودان، إلا أن نشوة الحكم التي اسكرت الإنقاذيين أول عهدهم أعمت أبصارهم وأصمت آذانهم، فاضاعوا فرصة لا تعوض.
ومبادرة السيد المهدي الأخيرة تقوم علي عناصر محددة، أولها دعوته لتنسيقية الحرية والتغيير ولقادة التيار الإسلامي لوسطية في الفكر والموقف والممارسة، فبينما دعا التيار الإسلامي لتقبل حوار وطني يتوج بمصالحة وطنية شاملة عبر مؤتمر جامع يشارك فيه كل أهل السودان، دعا تنسيقية الحرية والتغيير إلي عدم الاستهانة بالتيار الإسلامي لما له من قوة وعتاد ومال - حسب وصف السيد المهدي - ثم طرح السيد الصادق المهدي خياره البديل الذي يري أنه الخيار الأنسب والطريق الآمن للخروج من كل المأزق في حال عجز فرقاء السياسة عن التراضي وقبول بعضهم بعضا، وخياره في هذه الحالة هو اللجوء إلي انتخابات مبكرة يفوض من خلالها الشعب السوداني من يمثله في الحكم، وهذا خيار لا يجوز لأحد أن يرفضه، إذا كان فعلا مع الحرية والسلام والعدالة.
هناك موضوع مهم لا ينفصل عن مبادرة السيد الصادق المهدي، وهو اعتذار نجله اللواء عبد الرحمن عن مشاركته في حكومة الإنقاذ، ورغم أني أتفق مع الذين يقولون أن الاعتذار هو خطوة تمهيدية لعودة السيد عبد الرحمن للحزب، ولقيادة الحزب، توطئة للمشاركة في قيادة الدولة، لكنني لا أري حاجة للاعتذار، فمشاركة السيد عبد الرحمن كانت موضوعية ومبررة، فهو شارك من خلال موقعه القومي ضابطا عظيما في المؤسسة العسكرية، والإنقاذ كانت تحكم باسم المؤسسة العسكرية، ومشاركته بهذه الصفة لا تستوجب عليه اعتذار، لاسيما وأنها لم تسجل ضده أي مفسدة خلال فترة مشاركته في الحكم، بل ظل محافظا علي نظافة كل صحائفه، وكان علي الدوام وجها مشرقا للحكم، والسيد الصادق أعد ابنه الأكبر عبد الرحمن اعدادا ممتازا يؤهله للمشاركة في الحكم، ولقد صقلته تجربة الإنقاذ وجعلته أكثر تأهيلا لأي موقع في الحكم، وقد أجد زمنا ومساحة أرحب أتحدث فيهما عن الأمير عبد الرحمن الذي صار اليوم الأكثر تأهيلا لقيادة الحزب والبلد معا، والأهم من هذا قيادة أهل السودان للتوافق، والأمير رجل وفاقي من الدرجة الأولي، وفي تقديري أن مبادرات السيدين المهدي والميرغني توشك أن تضع البلاد والعباد في الطريق القويم، ونسأل الله أن يتحقق ذلك، وبالله التوفيق.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق