الاربعاء, 18 ديسمبر 2019 01:34 مساءً 0 297 0
متاريس
متاريس

علاء الدين محمد أبكر

لرجال السودان مواقف خالدة

من السهل أن تكون سياسيًا ولكن من الصعب أن تكون بطلًا، فلا الأموال الطائلة ولا الشهادات الجامعية العليا ولا النسب الشريف يصنع منك بطلًا قوميًا رغم عن أنف الجميع، ولكن موقفًا واحدًا وطنيًا قد يدخلك إلى قلوب الناس.
والتاريخ الإنساني أخبرنا عن شخصيات كانت مغمورة استطاعت أن تخلد نفسها عبر صفحات التاريخ. ويزخر تاريخنا السوداني بشخصيات وطنية لها مواقف مشرفة  واضحة كانت في نظر بعض قاصري الفهم مجرد (قوة رأس) ولكنها مواقف سجلها التاريخ لهؤلاء الرجال فصارت تكتب سيرهم بمداد من ذهب،  ومن هؤلاء القادة  الإمام محمد أحمد المهدي الذي قاد حربًا ضد الاحتلال المصري التركي في السودان في العام 1881م واستطاع في وقت وجيز أن  يحقق انتصارات متتالية على جيوش خديوي مصر المسنود بكبار الجنرالات الغربيين أمثال صمويل بيكر الأميركي وهكس باشا الإنجليزي وغردون باشا الاسكتلندي وسلاطين باشا النمساوي.
الإمام محمد أحمد المهدي بعد أن استطاع إسقاط حامية مدينة الأبيض في سنة 1884م قام غردون باشا حكمدار السودان المكلف من طرف خديوي مصر بتقديم عرض مغرٍ للمهدي بأن يكون سلطانًا مستقلًا لغرب البلاد وتشمل كردفان ودارفور والأطراف الجنوبية لبحر الغزال، ولكن الإمام المهدي رفض تلك الفكرة  وواصل زحفه إلى أن أسقط مدينة الخرطوم سنة 1885م، وهذا درس لمن له مبادئ بأن يكون سقف طموحه هو السماء.
ومن الزعماء السياسيين الذين يجب أن يعرف جيل اليوم مواقفهم الوطنية في عدم المساومة على سيادة الوطن عبد الله التعايشي خليفة الإمام المهدي الذي وجد نفسه محاطًا بقوى أجنبية طامعة في السودان من كل اتجاه، وبينما جيوش الاحتلال المصري الإنجليزي على تخوم عاصمته جاءه عرض مغرٍ من فرنسا بواسطة ملك الحبشة منليك بأن يستخدم العلم الفرنسي ويرفعه أمام الجيوش المصرية الإنجليزية الزاحفة نحو أم درمان لإيقافها، وكان يمكن أن فعل ذلك ويحتفظ لنفسه ولأحفاده حتى اليوم بحكم البلاد تحت الهيمنة الفرنسية مثل سائر دول غرب إفريقيا التي تخشى فرنسا أكثر من الله، ولكن الخليفة التعايشي وفي وعي سياسي كبير رفض العرض وفضل الموت شهيدًا في أم دبيكرات في العام 1899م.
وكذلك موقف الزعيم إسماعيل الأزهري سنة 1953م خلال توقيع اتفاق الحكم الذاتي للسودان، كان ينبغي عليه أن يوقع على المعاهدة التي سوف تمنح السودان الحكم الذاتي ومن ثم خيارات تقرير المصير أو الاتحاد مع مصر، وفي ذلك الوقت كانت الأقلام تعمل بالمداد السائل (الحبر) وكان يتعين على الزعيم الأزهري أن يزود قلمه بمداد من محبرة قاعة الاجتماع وفي خبث مقصود لم يتوافر الحبر وحتى لا يضيع حق السودان في التوقيع ويصف بعدها ثنائي الاستعمار بأن قادة السودان غير جاهزين لتولي زمام الأمور، بادر الزعيم الراحل الأزهري بغرس سن قلمه في وريده ليسحب من دمه ليوقع بعدها على الاتفاق الذي مهد بعد ذلك للاستقلال الوطني.
موقف آخر للزعيم إسماعيل الأزهري في مؤتمر دول عدم الانحياز في باندونغ بأندونيسيا في العام 1955م وكان السودان في ذلك الوقت غير مستقل وليس له علم للسيادة  فأصر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي كان يحضر القمة عليىالزعيم الأزهري بأن يضع العلم المصري باعتبار أن مصر شريكًا في الحكم الثنائي مع الإنجليز في حكم السودان ولكن الزعيم الأزهري رفض ذلك الطلب وأخرج من جيبه منديلًا بلون أبيض وغرس فيه قلمه ووضعه أمامه ليكون علمًا للسودان في إشارة إلى رغبة جامحة في الحرية والانعتاق،  تحية للزعيم الراحل الأزهري.
ومن أبطال السودان الذين لهم مواقف البطل عبد القادر ود حبوبة الذي رفض القبول بالحكم الاستعماري وفضل الموت شهيدًا في لعام 1908م  على الخنوع والخضوع لهم.
ولن يسقط عن ذاكرة التاريخ رغم الانفصال القائد الوحدوي الدكتور جون قرنق دي مبيور الذي رفض كل مبادرات السلام التي لم تحل جذور مشكلته وظل متمسكاً بما يؤمن به وحاولت الحكومة مفاوضة أطراف متمردة أخرى لتجاهل الدكتور جون قرنق ولكنها في آخر المطاف لم تحقق السلام إلا بعد القبول بمفاوضات مباشرة مع قرنق.
والتاريخ يعيد نفسه نجد أن الأستاذ عبد الواحد محمد نور زعيم حركة جيش تحرير السودان يسير على خطى الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق، وهناك تشابه كبير بينهما في الرؤى والطرح، حيث كان الراحل جون قرنق يرفض فكرة انفصال جنوب السودان ويشدد على الوحدة على أساس جديد، وهي ذاتها رؤية الأستاذ عبد الواحد محمد نور نحو قضية دارفور.
وعلى نفس المنوال حاولت الحكومات تجاهل عبدالواحد ومفاوضة المنشقين عنه بغية التوصل إلى سلام ولكن بدون جدوى، والحل هو الجلوس المباشر مع عبد الواحد محمد نور والاستماع إليه حينها سوف يسود السلام أرجاء دارفور.
من يا ترى من جيل اليوم سوف يخلد نفسه ويتربع على عرش السياسية  ليكون ضمن أبطال السودان الذين كانت لهم مواقف وطنية خالدة.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق