الثلاثاء, 07 يناير 2020 02:59 مساءً 0 309 0
تأملات
تأملات

جمال عنقرة

أحمد الخير، وليلي إبراهيم..
 قصة شهيدين

اتصلت بي قبل نحو أسبوعين أو يزيد قليلا الأخت هويدا إبراهيم سكرتيرة إدارة صحيفة الوطن، وكانت تجلس في منزلهم بحي المايقوما في الخرطوم بجوار شقيقتها الأكبر اختنا ليلي إبراهيم التي تزاملنا في صحيفة الأيام قبل نحو أربعين عاما في العهد المايوي، وكانت ليلي تعمل سكرتيرة لرئيس التحرير، وحدثتني ليلي عن صورة معها جمعتنا معها والزملاء المرحوم حسن الرضي، ومصطفي ابوالعزائم وعثمان عابدين، تم التقاطها عام 1983م، لسحب الفائزين في مسابقة رمضان ذاك العام التي نظمناها مع أبي الرضي ودرش والزميلة نجوي عوض الكريم (ام خالد)، ثم تبادلنا أحاديث الذكريات والأمنيات، وتوادعنا علي أمل اللقاء بإذن الله تعالي.
وبعد اسبوع فقط من ذاك اليوم قرأت في الوسائط أن الأخت ليلي قد توفيت لرحمة مولاها في حادث مرور بشارع أفريقيا قبالة مستشفي الأطباء، فذهبت الي منزل العزاء تسبقني أحزاني وآلامي، ولما سألت عن التفاصيل أخبرني شقيقها الفاتح أنه أوصلها الي شارع أفريقيا مثلما يفعل كل يوم لتعبر الشارع لتواصل مسيرها الي مكان عملها في الرياض، وقبل أن تعبر الشارع صدمتها سيارة خارجة من الشارع الجانبي تقودها طالبة تدرس في كلية الطب المستوي الرابع، فحملتها هذه الطالبة وبعض الذين شهدوا الحادث الي مستشفي الأطباء، فلما وصل شقيقها الفاتح الي المستشفي قالت له (الضربة كانت شديدة، ولو مت البنت دي أنا عافية منها) وبعد ساعتين أسلمت الروح الي بارئها، فشيعوها إلي مثواها الأخير وشارك أهل طالبة الطب في التشييع، وذهب الفاتح إلي القسم وطلب منهم شطب البلاغ وإطلاق سراح البنت تنفيذا لوصية ليلي يرحمها الله، وقد فعلوا، فجاء والد الطالبة الي منزل العزاء بعد انتهاء ايام الفراش، وسألهم عن الشئ الذي يمكن أن يفعلوه، فقالوا له الدعاء للفقيدة الشهيدة، فلما أصر علي فعل شئ لروح المرحومة، قالوا له من جانبنا ليس لدينا ما نفعله غير الإلتزام الحرفي بوصيتها، فهي تريد ما عند الله، وما عند الله أنفع وابقي.
في ذات يوم رفع فراش الشهيدة ليلي صدر الحكم بإعدام قتلة الشهيد الأستاذ أحمد الخير شهيد الثورة الأشهر، شهيد ولاية كسلا، ومحلية خشم القربة، وشهيد التعليم والمعلمين، وشهيد المؤتمر الشعبي والحركة الإسلامية، شهيد ثورة ديسمبر المجيدة، وكما تعلمون فقد صدر الحكم بإعدام سبعة وعشرين من ضباط وجنود جهاز الأمن الذين شاركوا في تعذيب الشهيد حتى لاقي ربه، شاهدا عليهم بما فعلوا، وشاهدا علي نضال المعلمين والشعبيين والإسلاميين وشاهدا علي ظلم أمن الإنقاذ وانتهاكه لحقوق الإنسان، ولقد أثلج ذاك الحكم صدور أهل السودان جميعا، وأكثر ما أسعدني شخصيا تنفيذ القضاء الشرعي الذي يقضي بقتل مدينة كاملة لو تواطأت علي قتل شخص واحد كما قال الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وتأكد الناس كلهم أن الحكومة جادة في تنفيذ العدالة شعار الثورة (سلام حرية عدالة)
وبينما أنا عائد في الطريق من منزل عزاء الشهيدة ليلي سمعت في إذاعة ام درمان أحد ذوي الشهيد يتحدث في حوار حول الحكم الذي صدر، فأشاد به كما أشاد به الجميع، ولما سئل عن إمكانية العفو عن قتلة الشهيد، قطع بأن ذلك غير وارد تماما، ولو كنت مكانه لقلت بذات ما قال به، وأعتقد أن أي إنسان لو كان مكانه في تلك اللحظة، لقطع بعدم العفو، لكنني بعد أن هدأت قليلا، تساءلت لو أن الشهيد أحمد الخير أتيحت له ذات الفرصة التي أتيحت للشهيدة ليلي، ماذا كان سيقول، صحيح أن ظروف القتل مختلفة، هناك كان القتل خطأ، وهنا كان القتل مع سبق الإصرار والترصد، لكن النتيجة واحدة، والغاية واحد، وقول الله في ذلك ثابت (من عفا وأصلح فأجره علي الله) وكما هو معلوم أن الشهيد كان رجلا ربانيا، وكان يهتف (الرسول قدوتنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا) والرسول صلي الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا، لما مكنه الله تعالي من أهل مكة مشركي قريش، وجلسوا ذليلين منكسرين، وجوههم مطأطئة إلي الأرض، فوقف وسطهم وسألهم سؤاله الذي يعرفه الجميع، (ماذا تظنون أني فاعل بكم؟) فردوا عليه بما علموا عنه، (أخ كريم ابن اخ كريم) فجاء رد النبوة السامي  (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهكذا جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق