وفاء جميل
السلام .... ثقافة
السلام كمفهوم ضدّ الحرب و الإضطرابات و العنف ، و قد تكون الحروب ناتجة لإعتبارات سياسية ، أو إقتصادية ، أو عِرقية ، و السلام هو ليس في معناه القريب أن يسلم الإنسان بيده و بقلبه و بلسانه فقط ، إنّما هنالك معاني سامية يسعي من خِلالها السلام لتكون متعايشة بين الناس و سارية في أمور حياتهم الظاهرة و الباطنة ، لذلك عندما نطلق هذا اللفظ و ما يتبعهُ مِن ألفاظ ، فإننا نجد أن هنالك نقاط تلاقي للأحداث التفاعلية في السودان بالأحداث الأكثر فاعلية المتعلقة بالحياة العامة ، عندها يتعرّض الجميع لإختبارٍ حقيقي في مبادئ الإنسانية ثم الوطنية ، حينها تقع المسؤولية على جميع مؤسسات المجتمع المدني بكل توجهاتهم الفكرية و السياسية و الثقافية و المجتمعية بأن يعملوا على نشر ثقافة السلام بينهم و بين كافة القواعد . إذ تخاطِب ثقافة السلام جميع المواطنين بإعتبار أنهم يتبادلون كل الأنماط السلوكية و الحياتية التي تدفعهم إلى إحترام إخوانهم مِن بني البشر ، و رفض الإساءة و الإعتداء عليهم و ممارسة العنف ضدهم ، مع الأخذ في الإعتبار قبول الإختلاف بينهم ، لأن الوعي بثقافة السلام يكسب الكل توحيد الصفوف في مواجهة صنوف التطرّف الفكري المتعدّد مثل إقصاء الآخر ، و عدم تقبُّل الرأي ، و تقييد التعبير ، و كبّت الحريات ..مِن جهة أخرى فإنّ على قادة الرأي و العلماء مِن ذوي الإختصاص دعوة الناس إلى التقارب ، و زيادة التلاحم الاجتماعيّ ، كما أنّ لنشر العلم و الثقافة و المعرفة دور كبير في نشر السّلام كثقافة ، فسيطرة مثل هذه الأمور على عقول الناس تجعلهم أكثر جُنوحاً نحو السّلام و اللاعنف ، إذ يجب أن نعمل على تربية النشء الجديد و توعيته بكيفية إستخدام وسائل الإعلام المختلفة بما فيها مواقع التواصل الإجتماعي التي تغلغلت في سائر نواحي الحياة و اصبحت سلاح ذو حدين و ثالوث فتّاك يقضي على عقول الشباب الذي أصبح مستهدفاً و أكثر قابلية للإنتهاك ، و بالضرورة أن يتم تبصير هؤلاء بأهمية ترسيخ ثقافة السلام التي تمتطي جواد التحرر ، و إنهاء الإستعباد و الظلم و القمع السياسي و الإقتصادي و تنمية حرية التعبير و التنوع الثقافي من خلال الحوار و أدبياته و التفاهم بشأن التعددية و الأثنية و الإختلاف في التوجهات و الرؤى ..يُقال : (إنْ أردتَ السلام فإستعد للحرب)فأين نحن مِن الحرب التحاورية التي تفضي للسلام ..؟؟!!الحرب مِن أجل السلام الحقيقي الذي يأبّى سَفْكَ الدماء و يرفض التدمير ، السلام الحقيقي الذي تعزِّزُه المحبةُ و يعزِّزُ المحبةَ ، السلام الحقيقي الذي هو أصل كلِّ حضارة و كلِّ تقدُّم .. و لقد آن الآوان لنَقْدِ مفاهيمنا و تغييرها عن الحرب إلى السلام ، و عن العنف و العنف المضاد ، و عن دوامات العنف التي لا تنتهي و لا تبغي و لا تذر ..ندرك تماماً بأنه قد دامت الحرب الأهلية في السودان لأعوامٍ طويلة ، فخرج الجميعُ خاسراً ، و لقد حان الوقت لوضعِ أسُسٍ جديدة لغرس بذرة الثقافة السلمية ، و قد يكون تفكيكُ بنّية العنف و مسبباته هي الخطوة الأولى المطلوبة لتفعيل الدور الإيجابي في احتواء ثورات الصُلح و التسامح و مزاولة إعادة النظر في المصلحة العامة ، مع الإحتفاظ بتفعيل مهام نشطاء السلام الذين يبثُّون الفِكر السلمي ، و ينبِّهون إلى مخاطر الحروب اللامحدودة ، و إفساح المجال أمام جمعيات المجتمع المدني لتعمل إلى جانب مؤسَّسات فضّ النزاعات بدروس القوائم و وضع الحلول و المقترحات الممكنة ، و التدخل بشفافيةٍ مِن أجل وضع حدٍّ لهذه الصراعات و التدخل الفاعل و الفعّال مِن أجل صنع ثقافة للسلام تحقق سلام دائم يخدم القضية الوطنية ..
للحديث بقية