الأحد, 19 يناير 2020 01:45 مساءً 0 427 0
مقال
مقال

وضع المغتربين وقضاياهم في ظل الحكومة الإنتقالية  

هشام عثمان مكي

hishammakki@hotmail.com

نلجأ للكتابة أحياناً كمحاولة منّا للخروج من دائرة الإختناق والشعور بالملل الذي تفرضه علينا حالة الإغتراب والبُعد عن الأهل والأحباب, وبما أنّ الكتابة صعبة ومرهقة علي شخص مثلي, إلاّ أنّ ممارستها دون أي قيد موضوعي أو التزام زمنى تُشعرك بالمتعة, وبالتأكيد فإننا نحاول من خلالها أيضاً المساهمة برأي شخصي متواضع في الشأن العام.

هذه المرة, نعود للإشارة لشأن المغتربين وكما هو معلوم فإنّ المقصود بهم السودانيين الذين يعيشون خارج السودان لأسباب مختلفة, وهم نسبة كبيرة قد تصل 20% من إجمالي سكان السودان, حيث يتراوح عددهم ما بين 5 إلى10 مليون نسمة حسب كثير من التقارير, لكن ربما تغيرت هذه الأرقام في السنوات الأخيرة بعد عودة أعداد كبيرة من دول الخليج نتيجة بعض السياسات التي إتبعتها هذه الدول تجاه الأجانب خاصة المملكة العربية السعودية, مما يقودنا الى الدعوة لأهمية تحديث هذه الإحصائيات.

ومما لا شك فيه أنّ هذا العدد الكبير من المغتربين يضعهم ضمن أهم قطاعات المجتمع السوداني التي يتوجب ضرورة العناية والإهتمام بها, لكن للأسف الشديد ليس للدولة أي إهتمام بهذا القطاع على الرغم من كثرة الدراسات والتوصيات التي قدمت للحكومات المتعاقبة في السودان في شأن الإهتمام بهم من حيث حل قضاياهم ومشاكلهم, وكذلك من حيث توظيف دورهم في التنمية والسعي بإشراكهم في جميع القضايا الحيوية التي تهم السودان, والسؤال الذي يطرح نفسه, هل سنشهد تجربة جديدة في التعامل مع المغتربين في ظل الحكومة الإنتقالية؟ خاصة وأنّ قطاع واسع منهم قد شارك بقوة في ثورة التغيير.

وبكل تأكيد فإنّ من يساهم في أي تغيير يأمل أن ينعكس عليه هذا التغيير إلى الأفضل, ولعل زيارة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الى المملكة السعودية - أكبر الدول التي تحتضن المغتربين السودانيين - قد حملت كثير من الوعود والإلتزامات بمعالجة قضايا وأوضاع المغتربين, وبالمقابل فإنه لايخفى على احد ان هناك منافع عديدة يمكن أن تتحقق للحكومة في حال حسن تدبيرها وتعاملها مع مشاكل المغتربين وقضاياهم, ولعل الحكومة الإنتقالية تنتبه للآثار السالبة حال اهمالها هذا القطاع ففي ذلك آثار سالبة كثيرة أهمها ضعف الثقة في مؤسسات الدولة, وكذلك آثار سالبة على الإقتصاد السوداني أهمها ندرة النقد الأجنبي.

المهم, وفي كل الأحوال، فإنّ المغترب إذا لم يشعر بتغيير في نظرة الدولة تجاه قضاياه بصورة إستراتيجية, وأنّ قطار الثورة لا يسير في اتجاه استيعاب مشاكله في التعليم والعودة النهائية ومتطلباتها من سكن وإعفاءات ومشاريع إنتاج وغيرها من المشاكل فإنه وبلا شك سوف يشعر بأنه ( خرج من المولد بلا حمص ) كما يقول أهل الحجاز, وسيظل في حالة سخط وثورية دائمة على الدولة ولن يجد المغترب للحكومة الإنتقالية العذر رغم يقينه بأن عليها ضغوط اقتصادية ولديها من الأعباء ما تنوء عن حمله الجبال لكن كل هذا لن يعفيها, ولعل حكومة الإنقاذ الوطني قد دفعت ثمن هذا الإهمال كبيراً إذ نتج عن ذلك معارضة قطاع واسع من المغتربين للحكومة ودعموا الثورة ( إسفيرباً ) ومادياً حتى تم الإطاحة بها ولا غرابة في ذلك.

والذي يهتم بشأن المغتربين يلحظ أنّ إهتمام حكومة الإنقاذ الوطني بهذا القطاع جاء متأخراً, ومع ذلك فقد حققت بعض النجاحات المحدودة لهذه الفئة المظلومة من حيث سهولة تقديم خدمات الجواز وقيام جامعة المغتربين والسماح لهم بإدخال سيارة مستثناة من الموديل وإدخال الأثاث والأمتعة الشخصية والمعدات الخاصة بمزاولة المهنة معفاة من الرسوم الجمركية.

كما أنّ حزمة حوافز المغتربين التشجيعية التي أصدرها جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج قبل سقوط الإنقاذ جاءت ملبية لرغبات المغتربين وطموحاتهم وطلباتهم حيث شملت خدمة الإسكان التي تمثل المطلب الأهم لمعظم السودانيين بالخارج وذلك عبر القروض البنكية وغيرها ويمكن للقائمين بالأمر الآن تفعيل هذه الحزمة وتحسينها كنوع من التصالح مع هذه الشريحة المظلومة.

وإن كنّا لا نقلل من أهمية هذا الجهاز فى تعزيز صلات أبناء السودان بالخارج بوطنهم وتوظيف خبراتهم إلا أنّه لم ينجح في القيام بدور الرعاية بالشكل المطلوب, فقد ظلت خدمة الرعاية والمساعدة للذين يتعرضون للمصائب غائبة عنه, وغائبة عن الدولة سواء كانت رعاية من حيث الإستشارات القانوينة أو رعاية المسجونين والمرضى أو معالجة الآثار الاجتماعية الناتجة عن الموت وفقدان العمل أو مراقبة الإنحراف الأخلاقي للابناء والتصدي له أو حماية من نُصب عليهم بالدخول في مشاريع فاشلة مع كثير من الشركات والمؤسسات التي تتصيدهم أحياناً.

ولعل معظم جلسات الحوار بين المغتربين ومؤتمراتهم - الرسمية وغير الرسمية - كانت دائما توصي بحل جهاز المغتربين او اعادة ترتيبة بحيث يصبح له مجلس إدارة تختار عضويته كاملة من أفراد مغتربين ولعل آخرها كانت توصيات لجان الحوار المجتمعي للعاملين بالخارج والتي أوصت بقيام مفوضية تابعة لرئاسة الجمهورية بدلاً عنه.

ويظل السؤال قائماً ما الذي استفاده المغتربون من الثورة؟ والإجابة هي مزيد من الإنتظار حتى تفرغ الحكومة الإنتقالية المتأزمة من حل قضاياها الداخلية والخارجية المتمثلة في بسط الأمن وتوفير الإحتياجات الأساسية لمعاش الناس وغيرها, وحينها ربما يستشعر المغترب تأثير هذا التغيير على قضاياه.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق