الثلاثاء, 28 يناير 2020 02:04 مساءً 0 634 0
تأملات
تأملات

جمال عنقرة

الانقلابات ترعاها الأحزاب.. والثورات ينصرها الجيش

قال لي أحد الأصدقاء إن من غرائب الأشياء في السودان أن شارع الحرية يوصلك إلى السجانة، فقلت له إن الأغرب من ذلك أن كل  الانقلابات في السودان رعتها وأشرفت عليها أحزاب سياسية، والثورات الشعبية نصرها وانتصر لها الجيش، وهذه حقائق ثابتة، فبعد صراع مع المستعمر دام أكثر من نصف قرن من الزمان شارك فيه أهل السودان جميعاً، تحقق الاستقلال في ملحمة وطنية رائعة، وتم إنزال العلمين الإنجليزي والمصري، ورفع العلم السوداني لأول مرة في سراي الحاكم العام الذي صار بعد ذلك القصر الجمهوري، إلا أن الأحزاب السياسية وبطوعها واختيارها، وكامل إرادتها وبعد أقل من عامين استدعت الجيش لتسلم السلطة في نوفمبر 1958م عندما خشي رئيس وزراء حزب الأمة السيد عبدالله بك خليل من تنقية الأجواء بين السيد إسماعيل الأزهري والسادة الختمية، فكانت حكومة الفريق إبراهيم عبود أول حكومة عسكرية في السودان، هي مجرد تسليم وتسلم لا غير، ولأن الفريق عبود لم يكن يرغب أصلاً في الحكم، ولم يسع له، فما أن خرجت مظاهرات تطالب برحيل العسكر حتى سارع بالتسليم والتنحي.
استغل الشيوعيون واقعة حل الحزب الشيوعي السوداني، عقب أحداث ندوة معهد المعلمين العالي التي تحدث فيها الطالب الشيوعي شوقي، وأساء فيها إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقاد الإسلاميون في جبهة الميثاق الإسلامي، وحزبي الأمة والاتحادي مظاهرات تطالب بحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان، ووجدت تجاوباً كبيراً من الشارع، فتم حل الحزب، وطرد نوابه من البرلمان، فاتخذ الحزب هذه الواقعة ذريعة، وتحالف مع القوميين العرب، واليساريين، وانقلبوا على الحكومة الديمقراطية في الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1969م.
وعندما خرجت الجماهير في خواتيم عام 1984م، وبدايات العام 1985م، تطالب برحيل نظام مايو، انحازت قيادة الجيش بقيادة وزير الدفاع المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، للثورة، واستولوا على السلطة، وكونوا المجلس العسكري الانتقالي الذي قام مقام رئاسة الجمهورية، وتشكل مجلس وزراء انتقالي من الثوار، وقامت أفضل ثنائية بين العسكر والمدنيين، وقادوا الفترة الانتقالية بحكمة واقتدار، وأجروا انتخابات حرة نزيهة، وسلموا الحكم إلى من انتخبهم الشعب، في أروع مشهد سجله التاريخ.
ومثلما استغل الشيوعيون حادثة معهد المعلمين ذريعة وانقلبوا على الحكومة الديمقراطية المنتخبة، استغل الإسلاميون مذكرة الجيش في العشرين من فبراير عام 1989م والتي أخرجتهم من الحكومة التي كانوا يشاركون فيها مع حزب الأمة، وأدخلت بدلاً عنهم الاتحاديين والشيوعيين، اتخذوا ذلك ذريعة، وانقضوا على حكومة الديمقراطية الثالثة في الثلاثين من يونيو 1989م، وكانت حكومة الإنقاذ.
ولما اشتعل الشارع في نهايات العام 2019م وضاق المواطنون ذرعاً بما يفعله النظام السابق، ولم يف الرئيس الأسبق المشير عمر البشير بما وعد به القيادات العسكرية ممثلين في اللجنة الأمنية، وكان قد وعدهم بالتخلي عن حزب المؤتمر الوطني، وحل الحكومة وتكوين حكومة كفاءات قومية، وعدم الترشح لانتخابات 2020م، فلما استجاب لضغوط المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، وتراجع عن التزاماته للجنة الأمنية العليا، انحاز أعضاء اللجنة الأمنية كلهم بلا استثناء، وانحازوا إلى ثورة الشعب، وكان لانحيازهم الدور الفاعل في حسم ونجاح الثورة، وأهم ما قامت به المؤسسة العسكرية في ثورة ديسمبر أنها جنبت البلاد فظائع أي مواجهات محتملة، وكان من الممكن والمتاح أن يعاد سيناريو ثورة رجب أبريل بأفضل منه، إلا أن بعض مكونات الثورة المدنية دخلت في صراعات غير موضوعية مع المؤسسة العسكرية، وصارت تستعديها، وتفتعل الخلافات والصراعات معها، وبلغ الأمر درجة لم يعد يتوقع فيها كثيرون أن تستكمل الفترة الانتقالية سنواتها الثلاث، ولم يعد مستبعداً تدخل المؤسسة العسكرية بأي صورة من الصور من أجل ضبط الإيقاع السياسي، ويكون السياسيون هم السبب.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق