الاربعاء, 05 فبراير 2020 02:10 مساءً 0 720 0
للجميع فقط
للجميع فقط

بقلم :أحمد مجذوب المبارك الشريفي

استراتيجية الرقابة لمكافحة الفساد (2)

إصلاح الخدمة العامة
قلت في مقال سابق أن مكافحة الفساد لا يتم الا بعد تطبيق نظام رقابي صارم، فمهما حاولت الدولة أن تحارب هذا الفساد لن يتسني لها هذا بدون هذا النظام، مع العلم أن الفساد لا ينتهي.
فقط بالنظام الرقابي يمكننا الحد من انتشاره والسيطرة عليه ما دام هنالك عين تراقب وترصد ثم معيار يحدد المسؤولية ودرجتها، ثم نظام يساءل ليحاسب ويعاقب، وقبل العقاب الثواب، لأنه دون مساءلة ودون نتيجة لهذه المساءلة يظل الأمر كأن لم يكن، مع العلم متى ما كان هدف الرقابة العقاب فقط لا غير لن تؤتي الرقابة نتائجها، لكن متى ما كان الهدف في الأساس (الإصلاح) أي عدم الأخذ بالرقابة كأسلوب عقابي وسيف يتسلط على الرقاب ليجزها، فقدت الرقابة معناها، وستظل الجهود حرث في بحر.
تكمن المشكلة في أن مفهوم الرقابة لم يحظ بالاهتمام حتى الآن و هو غير مطبق في كل أو معظم القطاعات العامة في السودان، كما أن الأدوات المستخدمة في قياس وتقييم الأداء أيضاً تقتصر على الأدوات التقليدية التي تقيم الجانب المالي و تهمل الجوانب الأخرى التي تعتبر هامة أيضاً في أداء جميع إدارات الدولة العاملة كتقييم عام  و قياس لجودة العمليات، فيكون التقويم ضعيفا لا يرقي لمستوي التطور المطلوب و النمو المؤمل تحقيقه في فترة أو فترات زمنية تطول أو تقصر، وهذا يتوقف على الخطة الموضوعة كهدف، حتى الخطة تتوقف على مستوي الرقابة المفروضة عليها، اثناء وبعد التخطيط ، ثم قبل وأثناء وبعد التنفيذ، لمراقبة الانحرافات التي تحدث وتأثيرها، فيظهر المتسبب في هذه الانحرافات، مستوي المعالجة أولا بأول حتى نهاية الشوط المفضي للنتيجة النهائية سلبا أم إيجابا.
اذا عرفنا أن التطور و النمو في أي قطاع حكومي أو خاص يتوقف على نجاح أو فشل النظام الرقابي الصارم بمعايير تتناسب وكل قطاع بل وكل جزء من هذا القطاع لاختلاف الأدوار الإنتاجية والوظيفية داخل القطاع نفسه، ثم على مدى قدرة القطاعات على تحقيق رسالتها و غاياتها و أهدافها, و هذا يتطلب وضع استراتيجية معينة و السعي لتنفيذها في ظل كل المتغيرات المختلفة المحيطة بالمنظمة، والوسيلة الوحيدة أمام المنظمة لمتابعة تنفيذ استراتيجيتها أو تعديلها هي قي قيامها بعملية الرقابة الاستراتيجية.
متى ما أدركنا أهمية هذه الرقابة وإنها ستدلنا على سلامة تنفيذ الخطط الموضوعة وستدلنا على سلامة هذه الاستراتيجية ذاتها وعلى ضرورة تعديلها، أو تغييرها، وأنها ستؤكد على ضرورة الأخذ بالاعتبار بكل المقاييس مالية وغير مالية عند تصميم نظام الرقابة، حينها سنقول أن الفساد كعمومية قد انحسر، متى ما ابتعدنا عن النظام الرقابي سيطل هذا الفساد من جديد ويتمدد وينتشر.
مع العلم أن هنالك مشكلة رئيسية لن تخدم النظام الرقابي مهما كان قويا ومستندا الى معايير دقيقة، هي مشكلة النظرة الأحادية، والمستوي السياسي الذي ينظر اليها من خلال تحقيق مصالح لجماعة ما على حساب جماعة أخري، هنا سنقول بفشل النظام الرقابي، فالرقابة كجهاز عام يجب أن لا تخضع بتاتا لسلطات تنفيذية، بل تستمد سلطتها وقوتها من جهة سيادية، لأن جهاز الرقابة يجب أن يكون سياديا، بل يجب أن يكون الشق الآخر في الدولة، بمعني سلطة تنفيذية تقابلها سلطة رقابية وكل السلطة التنفيذية تخضع لإجراءات ومعايير السلطة الرقابية، دون تدخل الرقابة في مستوى التنفيذ و لا حتى المساءلة بل التوجيه والإرشاد كمرحلة أولى، ثم رفع التقاريرالى رئيس الدولة فقط وهو من يستلم تقارير السلطة الرقابية، وبموجبها يتم توجيه السلطة التنفيذية ، وعلى أساسها أي التقارير الرقابية تتم المساءلة، التي تمنع السلطة الرقابية من استخدامها ضد السلطة التنفيذية، لأنها فقط عليها أن تراقب وترصد ، وترفع تقاريرها مدعمة بكل ما يثبت صحة رصدها، وعلى الرئيس فقط أن يحدد درجة الخلل ويوجه ثم يساءل ليثيب أو يعاقب، ولنا في هذا تفصيل لاحق.
إشكالية أخري تمنع الرقابة من أداء دورها، وهي توجيه الرقابة لضرب الخصوم باستخدام التزوير وكل ما من شأنه تقديم معلومة غير صحيحة، بالضرورة أن الجهة الرقابية وقبل تقديم المعلومة للجهة المسؤولة لاتخاذ قرار ما ستحرص على التأكد من المعلومة بوسائل متعددة تمكنها من الحرص على مستواها الرقابي، رغم أنه سيقلل من هيبتها، ولو لزمن مؤقت، لكن حتما لن يقعدها متي ما تبين سوء النية ضد الجهاز الرقابي.
لهذا فعنصر المفاجأة في التوقيت غير المتوقع، بتثبيت كل ملاحظة تم رصدها بكل ما يتاح من أجهزة التوثيق، ثم اطلاع الجهات المسؤولة عليها ومناقشتها و التوقيع عليها للتأكيد على صحتها وأنها غير ملفقة، حتما سيقلل من فرص الانفلات والالتفاف مما يجعل كل مسؤول يحاول أن يلوذ ألى أقصي ركن يحاول أن يلجأ اليه.
اذا هل يوجد مستويات للرقابة؟
 نعم .. وكما نعلم أن هناك عدة مستويات في الإدارة تتحمل جميعهــا مسؤولية التخطيط الاستراتيجي، فلابد أن يوجد فيها أيضاً رقابة استراتيجية. أي تتبع الرقابة الاستراتيجية إلى المستوى الذي توجد فيه وبذلك يمكن تقسيمها إلى
الرقابة الاستراتيجية : وهي الرقابة التي تهتم بتطبيق الخطط الاستراتيجية من خلال توجيه العوامل البيئية الحرجة، و تقييم آثار الأعمال الاستراتيجية التنظيمية وهي توجد في المستويات الإدارية العليا.
الرقابة التكتيكية: وهي الرقابة التي تركز على تخمين تطبيق الخطط التكتيكية على مستويات الأقسام و ربط التوجيه بالنتائج الدورية واتخاذ الأعمال التصحيحية عند الحاجة.
الرقابة التشغيلية : هي الرقابة التي تتم للتأكد من  تطبيق الخطط التشغيلية و توجيه النتائج بشكل يومي واتخاذ الأعمال التصحيحية في حال وجود حاجة لذلك.
إذاً مستوى الرقابة الاستراتيجية يتتبع العمل بدءا من مستوى التخطيط وحتى التنفيذ، و لابد أن تتم الرقابة الاستراتيجية في مختلف المستويات (العليا و الوسطى والإشرافية) من قبل الجهاز الرقابي، واستخدام كل الآليات الفاعلة والفعالة لتحقيق الهدف الرقابي، مع العلم أن الرقابة تكون كالضوء المسلط والكاشف على القطاعات الحكومية، بل العين التي ينظر بها الجهاز الرئاسي على كل القطاعات بدءا من رئاسة الوزراء كقمة للجهاز التنفيذي نهاية بأدني مستخدم في أقصي إدارة تتبع لوزارة ما، فالتقارير الموثقة ستلفت نظر الجهاز الرئاسي للخلل في ذاك القطاع مما يؤدي للفت نظر رئيس الوزراء الذي سيوجه الوزير، الذي بدوره سينزل التقارير لمرؤوسيه حتى تصل  للادارات الدنيا في سلم الهيكل الوظيفي والإداري ، ثم تعكس دورة التقارير بعد المعالجة الى المستويات العليا حتى تصل الى النقطة التي بدأت منها، حينها وبعدها ستحرص كل الجهات على الالتزام بدورها المخطط لها وفق الجزئية المكلفة بها من اجمالى الخطة الاستراتيجية ملتزمة بمعايير الخطة، ثم بجولات الرقابة التي ستتأكد من معالجة الخلل ورفعها لتقاريرها التي تؤكد صحة التقارير التنفيذية التي رفعت، فتنهي الملاحظة، لكنها تظل ثابتة ومثبتة على للخلل، فانهاء الملاحظة لا يعني نهايتها وازاحتها، نعم تمت معالجتها ولكنها ستظل ثابتة في تقصير الإدارات، تكرارها يعني المزيد من التقصير، عدم معالجتها يعني ضعف الإدارة كليا أو جزئيا مما يمنح مسؤول المستوي الأعلى في اتخاذ القرار المناسب.
مع العلم أن الرقابة تتم حسب زمن ممارستها وتقسم الرقابة وفق هذا المعيار إلى :
الرقابة السابقة : وهدفها منع وقوع الخطأ وقد تسمى بالرقابة الأولية أو المبدئية أو الوقائية.
الرقابة الجارية ( المتزامنة ): وهي بمثابة نقاط تفتيش للتأكد من استمرار العملية وتوصف بالغربلة.
الرقابة اللاحقة: و تتم بعد الانتهاء من العملية أو إتمام الخدمة للتأكد من مطابقتها لما هو مخطط .
وفي كل مرحلة من أنواع الرقابة يقاس مستوي النمو والانحرافات التي حدثت، فكلما كان النمو مستمرا بدرجات أعلى نحو الأمام كل ما نستطيع قوله أن الرقابة قد حققت أهدافها لتطوير الأداء وإصلاح الخدمة، و كلما كان مستويات الانحراف متزايدة، لا يعني فشل الرقابة بل تأكيد على نجاحها، فكل إظهار للانحرافات يؤكد أنها ستعالج وتتحول الى مراكز قوة و نمو مستقبلا طالما أن الرصد مستمر وعين الرقابة لا تغفل، ومؤكد جدا أن الجهاز الرئاسي سيقف بقوة ضد الممارسات السالبة التي تؤثر على الأداء العام للدولة، بالتالى يكون ذلك في صالح تطوير الخدمة المدنية، التي اجتهدت كل الحكومات أن تصلحها وشكلت لها لجان الا أن الحال ظل على ما هو عليه، بل لعله الى الأسوأ.
علاج ذلك في انشاء جهاز رقابي صارم بمعايير صارمة تتناسب مع كل إدارة بجميع أنواعها عسكرية كانت أم مدنية، باختلاف تخصصاتها الإدارية والخدمية، وبدقة التفاصيل المعيارية التي تحقق أقصي درجات الضبط والانضباط، مما يؤدى الى اعلى درجات الالتزام الوظيفي بالتالى ينصلح الحال، وتتحول الخدمة التي تطمح اليها الدولة كمقياس على تطورها مما يساعد على توظيف المال والجهد البشري نحو آفاف أرحب وأوسع فتقل الانحرافات و الملاحظات السالبة التي تعيق الأداء العام.

 

 

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق