وفاء جميل
مِن جوبا سلام ((6))
أكدت دولة جنوب السودان الحبيبة أنها ذات صفات نبيلة لمعاني سامية برهنت بأنها ساندة ، صاحبة ، حاضنة ، راعية و داعمة للسلام في السودان ، و عندما نتحدث عنها يسوقنا الحديث عن السلام ، كيف لا و هي التي ظلت تناضل و تنادي بأهمية الوحدة و الإستقرار منذ عهود كابدت و عانت شبح العنصرية و التمييز العِرقي ، الثقافي و الديني بينها و الشمال ، و لكن الإرتباط و البصيرة و الرشد أكدّ أنهما أبناء شعبٍ وُلد ليكون (أمةً واحدةً في دولةٍ واحدة) تربطهم علاقات محبة و وفاق ؛ حيث لطالما زُج هذا الترابط الوجداني الوثيق في أروقة السياسة و عالم الساسة يسوس ليصبح ضحية مِن ضحايا الحروب و العنف و اللا إنسانية ، بالطبع السياسة لا تقِّر إلاّ بقانونها و هو (فرِق تسد) ؛ فكسِب الساسة الرهان فكان الإنفصال أشبه بإنفصال الروح عن الجسد ، و مع كل هذه الإرهاصات التي واجهت السودانيِّيِن تظل أواصر المحبة ، الإخاء ، و الوفاء باقية في نفوس شعبينا في الشمال و الجنوب ، إذ تجسد هذا في الإحتواء الذي شهده العالم كله بمدينة (جوبا) و هي تحتضن بكل عطف عملية السلام التي تجري بين الحكومة الإنتقالية و المسارات المختلفة و الحركات المنضوية تحت تحالف الجبهة الثورية ؛ بذلك رسالة واضحة أن السودان بلد واحد لا يتجزأ ، و أنهم قادرون على الوقوف مع بعضهم البعض وقت ما تطلب الأمر ذلك ..
نشيدُ بالسعي الدؤوب الذي تبذله الوساطة التي حتماً ستعمل لتمهيد الإستقرار و ترسيخ دعائم السلام في السودان ، و عليه نجدد شكرنا و إمتناننا لدولة الجنوب على دعمها السخي و توسطها بين فرقاء السودان ليكونوا شركاء و يعملوا على التنمية و رفعة بالبلاد ، و نؤكد لأشقائنا بالجنوب أننا سنمضي بينكم جمباً لجنبٍ نحث خطاؤكم للتقدم حثاً عنيدا ، نشارككم نماءاً و بناءاً و إزدهاراً و نبارك لكم الإتفاق ، و نجدد عزمنا على وقوفنا معكم لإستكمال السلام بينكم ليؤسس لحكومة الوحدة الوطنية في دولة جنوب السودان..
حقيقةً ظل السودانيون يتابعون عن كثب ما يدور عبر دهاليز المفاوضات ، و عبّر الكثيرون أنهم لا يعلمون ما يدور خلف الكواليس و أنهم مغيبون تماماً عن تفاصيل التفاوض الذي هم جزء منه ، خاصة فيما يتعلق بعلمانية الدولة التي كانت شرطاً لإكمال الإتفاق مع أحد الفصائل ؛ إذ نذكر بأن علمانية الدولة و فصل الدين عنها هو شأن شعبي بحت يلزمه إستفتاء شعبي يحقق العدالة التي تؤسس للمواطنة ، و الحديث بأنها ثمناً لإنجاح الإتفاق يُعتبر غير موفق ، و كما أشيرتُ مِن قبل إلى أنه ضرورة مشاركة الرأي العام في قضايا السلام و الإقتاد بإعتبارها إستراتيجية تخاطب الشعب مباشرةً ، لا سيما أنه يؤثر فيها و يتأثر بها ..
العملية التفاوضية التي تسير بين الحكومة الإنتقالية و المسارات المختلفة بما فيها حركات الكفاح المسلح (بجوبا) ، تمضي بكل تناغم تسودها روح الأخوة و الرفقة ، لذلك نتوقع لها أن تمضي بهذه الوتيرة إلى أن تنجز سلام مستدام يلبي الأشواق و يحقق الآمال..
تطرقتُ في المتابعات الفائتة بأن مسار المنطقتين يعتبر من أكثر المسارات تقدماً في المفاوضات ، بينما يظل مسار دارفور الأكثر تعقيداً إلى الآن ، إذ تم إستباقاً التوصل لإتفاقيات متعددة شملت مسار الشرق ، الوسط و الشمال و فصائل مقدرة من الحركات ..
ما زالت (طبخة) المنطقتين و مسار دارفور على نار هادئة تستهلك الوقت الذي يمضي مِن عُمر البلاد و العباد، و لا ندري ماذا تحتاج مِن عناصر مغذية و توابل لكي (تُسبّك) ، فالجوع أرهق مواطنيّ النزوح و اللجو في المناطق التي تأثرت بالحروب ، كادت الأرض أن تبتلعهم أحياء ، لذا نضم صوت الإنسانية لصوتهم و ندعو طرفا التفاوض بضرورة الإسراع للتوصل لحل الأزمات في هاذين المنطقتين و دارفور ، و تقديم مصلحة الشعب و الوطن على مصالحهم الشخصية مع ضرورة تجاوز المعوقات للوصول للإتفاقيات ، و التنازل عن القرارات لتدارك المرارات ، و تلافي المؤامرات و التفرّغ للإنجازات لنهضة البلاد ..
للحديث بقية