السبت, 04 ابرايل 2020 00:33 مساءً 0 427 0
رسالة عاجلة للسيد معالي رئيس الوزراء حمدوك قبل أن يشد الرحال لمصر وإثيوبيا
رسالة عاجلة للسيد معالي رئيس الوزراء حمدوك قبل  أن يشد الرحال لمصر وإثيوبيا

د.محمد عبدالمجيد

الطريق لحل الأزمة المتعلقة بالسد الإثيوبي يمر بادئ ذي بدأ بدار الوثائق المركزية ، وبشعبة التاريخ بجامعة الخرطوم ، ثم بكلية دراسات الكوارث والأمن الإنساني بجامعة افريقيا العالمية. ثم ومن قبل ذلك كله بضمائر الرجال الذين خدموا هذه البلاد من مواقع المسؤولية والدفاع  عن كيان السودان ومستقبل أبنائه. ولكل من اؤلئك دلو يدلو به في هذه القضية الحساسة.
معالي رئيس مجلس الوزراء
قبل أن تسلك تلك المعابر ، أو يتخاطر ذهنك مع ذلك النفر الكريم من خلصاء هذا الوطن الشامخ، هناك حقيقة يجب أن تُدرك قبل حزم الحقيبة. وهي إن السودان فيما يلي السد ليس وسيطاً  وإنما صاحب حق أصيل. فالوسيط هو من  يجمع بين أو يقرب بين فرقاء اختلفوا علي الحق والاحقيات Rights  & Entitlements أو تناقضت مصالحهم  و يبحثون عمن يمكن أن يبعد عنهم شبح الخلاف بشرط ألا يكون صاحب مصلحة خاصة في الموضوع قيد الوساطة فشرط الوساطة الحقة هو الحياد التام بين الفرقاء... وهذا أمر لا ينطبق على السودان. فالسودان في قضية السد هو صاحب حق أصيل ضاع أو كاد يضيع  بين تفريط وافراط.
فالتفريط  قد افترعه النظام البائد الذي جئت أنت فى عقبه.  بعد أن أحال السودان الي وسيط بين نقيضي حوض النيل(إثيوبيا و مصر) عندما اجبرت  محكمة الجنايات الدولية رأسه المخلوع  للبحث عن نصير ضد المحكمة التي اتهمته بجرائم ضد الإنسانية،  فوجد في إثيوبيا من تفرش له البساط الأحمر وتحمل له الأفارقة في قممهم الرئاسية لوصف المحكمة بمحكمة «الرجل الأبيض»  فما لبث ان جازاها المخلوع عرفنا لها بموافقة السودان على  مشروعها الضخم علي النيل برغم ما ثبت من إعتراض وزير الري وقتها المهندس د.كمال علي. والافراط قد كان أشبه بحملة منظمة شيدت فيها صروح  رومانسية من الأماني  بأن السد سيجلب لأهل السودان  من  المنافع أكثر مما سيغدقه على  إثيوبيا دون أن يدفعوا فلسا واحدا .. وقد نسج  هذا الحلم المغزول من «السراب» مجموعة ممن أسموا أنفسهم «اللجان الفنية»  قوامها  ذات الشخوص الذين استعان بهم المخلوع ليسوغ  لنفسه  شرعية  المضي في طريق التفريط.
سيادة  معالي الوزير الأول
 لا مُشاحة في أن السودان صاحب مصلحة أساسية في موضوع السد كونه واحد من دول الحوض.  وكونه معني بهذه الأزمة تماما مثله مثل مصر وإثيوبيا. لذلك تنتفي عنه صفة الوسيط فلا هو جهة عدلية تحكم بين الفرقاء، ولا هو صديق محايد طيب القلب يقارب بين وجهات النظر المختلفة ، وإنما المفروض أنه صاحب حق ضائع أو مُضيع  يجب البحث عنه  بمقتضيات العبور بدار الوثائق وبشعبة التاريخ بجامعة الخرطوم أو قل بما يدرسه الصبية الصغار في المدارس الثانوية بمقرر التاريخ الذي تؤكد شواهده أن الأرض التي يُبني عليها السد هي أرض سودانية استقطعها ملك الحبشة منليك الثاني إقليم فازغولي السوداني في العام 1897م عندما كان الخليفة عبد الله التعايشي في غمرة انشغاله بالزود عن بيضة الحِمي ضد  الإحتلال الذي كان يتوغل جنوبا بُعيد معركة النِخيلة. وذلك  أمر كفيل بأن يعيد غض الطرف عن التفريط الي نصاب استعادة الحقوق التاريخية.
كما أن زيارة واحدة، أو قل جلسة مدارسة  واحدة مع خبراء مخاطر الكوارث في كلية دراسات الكوارث والأمن الإنساني  كفيلة بأن تتراءي أمام عينيك  خارطة المخاطر التي يسببها السد لسكان أسفل النهر. فالسد في معارف اختصاصيي  الكوارث يمثل خطرا ماثلا Eminent hazard بسعة 74 مليار متر مكعب، لذلك النهر الفتي ذو التيار الجارف. وقد ينصب الحوار حول ضرورة مراعاة  تضمين مبدأ الحد من مخاطر الكوارث في المشروعات التنموية بما في ذلك تقييم المردود البيئي على المنطقة المحيطة بالسد.  فمن ذا الذي يقبل لنفسه أو لبلده أن يُقام في داخل حدوده سدا بتلك الضخامة دون أدني مراعاة لإشتراطات  الأمان ليس فقط من العطش ، وإنما من الغرق إذا ما إنهار السد... ولربما يكون من الجائز القول بأن السد لن ينهار... فستجد الإجابة قائمة في علم الحد من مخاطر الكوارث أن هذا العلم  -وأنت سيد العارفين -  كله يقوم علي الاحتمالات.  بل هو علم عدم استبعاد الاحتمالات مهما كانت طفيفة .. وعندها ستدرك أيضا أن الغرق سيكون محدقاً  ببني وطنك الذين وثقوا في وطنيتك وأولوك شأن أمرهم حتي تعبر بهم لشواطئ الأمان.. وشواطئ الأمان هي رفض كل ما يتهدد مصيرهم وبقاءهم وسبل كسب معيشتهم واجتماعهم وتاريخهم وكافة نوازع وجودهم  علي امتداد هذا الشريط النيلي العظيم. وعندها ستحسب أمامك  المخاطر بصورة بسيطة مفادها أن لو كانت احتمالية الانهيار في أدني المستويات فماذا عن العواقب ؟!  فإن كانت العواقب كارثية فهنالك يجب القول بضرورة مراجعة الموقف السوداني المذبوح  علي عتبات التفريط والافراط.  ورد الأمر إلى أهله ممن ثاروا ضد  من باعهم ضمن من  باع. لتعود للبحث في أصل الموقف في صدور رجال انحازوا للمهنية ولضمائرهم ممن صدعوا بقول الحق حول ما  يكتنف السد من مخاطر،  فما وهنت عزائمهم عن التنبيه بالخطر المحدق من  أمثال د. أحمد المفتي، وبروفسور محمد الرشيد قريش ومهندسو الري  من أمثال د.كمال علي  وحيدر يوسف وغيرهم من أهل الخبرة والدراية في هذا الشأن. ليعود السودان مفاوضا لا وسيطا مطالبا بحقه في الحياة الآمنة دون أن يتهدده الغرق أو العطش أو أن يبحث عن الطاقة في دوائر لا طاقة له بها.
د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية و المدير السابق للمشروع القومي للحد من مخاطر الكوارث الذي نفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالسودان.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق