الخميس, 25 يونيو 2020 08:22 مساءً 0 394 0
فورة لبن حجا....وزيادة مرتبات البدوي
فورة لبن حجا....وزيادة مرتبات البدوي

بقلم : هشام الكندي

أصل الحكاية دعا حجا إلى مأدبة إفطار خص بها أهل القرية و ركب حماره يطوف حلال القرية صباحا ملوحا بعصاه لكل من يقابله (بكرا بدري الفطور معاي في الديوان ) ما أن أصبح الصبح ذهب باكرا للسوق وأحضر  (تمنة) لبن وطحين من القمح لزوجته (السنينه) لعمل وجبة اللبن الرائب للضيوف وضعت الزوجه البن على النار وأصبح يفور إلى  أعلى حتى قارب نهاية (الحله) يبتسم جحا ويحرك طرطوره و يهرول للشارع (يكورك) للحيران (يلا الفطور جاهز اللبن فار) والكسرة الفطيرا جاهزه... تسمع الزوجه صياح جحا ترد عليه (اللبن دا بيسط ما بتم الناس ديل) يرد حجا (كيفن مابتم الحله مليانا لمن دفقت ) ترد الزوجة (يا راجل قول بسم الله دي فورة اللبن ساي ) لم يقتنع جحا بكلام الزوجه وأصبح يستقبل الضيوف (ادخلوا ادخلوا شرفتوا الاكل راقد ) يتوافد أهل القريه على ديوان جحا و تبدأ مراسم توزيع الفطور يقف جحا جانب باب الديوان (اكلو ساكت الليله فطور كارب الاكل راقد ) ما أن فطرت المجموعة الأولى زوجة جحا تناديه على عجل بأن اللبن قد انتهي يرد جحا ( كيفن انتهي الحلة كانت مليانه لي حدها ) ترد الزوجه ( أنا كلمتك قبيل دي فورة لبن ساي ولبنك بسيط ما صدقتني) ويحتدم النقاش بينهما... كيف الكلام دا
ونقول للضيوف شنو...كان حينها قد اذاع وزير المالية دكتور إبراهيم البدوى مبشرا أهل السودان عاملي الخدمة المدنية بعمل زيادة كبيرة  للمرتبات خلال العام 2020 و كان الوعد واقعا منتظرا لتك القطاعات ، واستبشروا خيرا حتى ارتسمت البسمه والفرحة على وجوههم و أسرهم كيف لا إذ وصلت الزيادة إلى أعلي مستوى كسابقه عالمية إذ بلغت 569% وهم فئه من أبناء  الشعب يقدمون الغالي والنفبس خلال حياتهم العملية بالخدمة المدنية والقوات النظامية ونبارك لهم الزيادة وهذا حق أصيل لهم مقابل نظري ما يقدمونه من تضحيات لهذا البلد الأبي . لكن فلننظر إلي الآمر بكلياته هل كان دكتور البدوي محقا لهذة الزيادة بالمعنى القريب نعم كان محقا لكن من النظره الكلية على السياق الاقتصادى كان بعيد كل البعد عن ذلك فى ظل واقع الاقتصاد المتهالك و ارتفاع نسبة التضخم الى مستويات عالية خلال السنة حتى بلغت 114% خلال شهر  مايو المنصرم عطفا لفقدان الجنية السوداني لبريقه مقابل ( تسونامي ) الدولار والتأثر العالمي للاقتصاد فى ظل جائحة كورونا فالمؤشرات لم تكن إيجابية لاتخاذ مثل القرار فى هذة  الظروف وكان من الممكن للبدوى أخذ تدابير أخرى لتدارك سلبيات القرار مع الأخذ لاحقية الزيادة ، فالحكومة لم يكن لها مدخرات أو عوائد إنتاج فالذهب مثلا حصائل  الصادر تذهب لشركة (الفاخر)  شحنات صادر الثروة الحيوانية تذهب ( منظومة الصناعات الدفاعية ) جمارك السيارات متوقفة بأمر وزير التجارة المدني ،  فالزيادة كان يمكن أن تكون خلال العامين أو الثلاث مع عمل نسبة معينة لكل ربع خلال الموازنه على كل ربع سنه أي تتدرج حتى تصل المستوى خلال العام والعمل على إيقاف شبح التضحم وزيادة الأسعار بقرارات فاعلة وقوية لكبح جماحها وايداع متبقي المبالغ المصدقة فى صندوق أو محفظه استثمارية على شاكلة شركة الخرطوم للخدمات المالية (شهامه) تكون الأسهم لموظفي قطاع الخدمة المدنية وتورد المالية حسابات الأشخاص المستحقة ولا تعطى لهم نقدا مع الراتب ، لعل واحدة من أهم المشاكل التى تواجه موظفي قطاع الخدمة المدنية مشكلة السكن يكافح الموظف لدفع قيمة الإيجار خلال عمله بالخدمة وبعد سن المعاش يذوق الأمرين إرتفاع قيمة الإيجار وراتب معاش لايثمن ولا يغني من جوع فلابد من رؤية جاذبه  تمكنهم من اقتناء سكن من خلال تخصيص جزء من هذة المبالغ التي صرفت لإنشاء  شركة عقارية تعمل على إمكانية توفير السكن عن طريق المجمعات الرأسية أو الأفقية وتسلم للموظف حسب الدرجه وسنوات الخدمة فى الوقت الذي فاقت قيمة إيجار المنزل المتوسط أو الشقة أكبر من 10000ج آي حوالي 70% من نسبة الراتب الجديد ، فيما كان يمكن تكوين شركة استثمارية تعمل فى المجال الزراعي والحيواني على شاكلة جامعة أفريقيا تستطيع من خلالها توفير المستهلكات اليومية للموظفين من الخضر والألبان توزع عبر المجمعات التى تحدد لهم بما فيها خراف الأضاحي واللحوم البيضاء. وطالما شبح التضخم يرتفع كل يوم فليس هناك واقع ايجابي لتلك الزيادة على العكس أدت إلى مزيد من التضخم من خلال إرتفاع الطلب على العرض فى ظل انحسار المعروض نفسه واتباع سياسة التخزين السالبه لدى كثير من الأسر لتصبح المبالغ الجديدة للاجور  لاقيمة لها مع فقدان الجنية السوداني للقيمة السوقيه  وكان من الأجدى وقف جماح التضخم وتثبيت سعر الصرف واسترداد قيمة الجنية تدريجيا فضلا على عمل الزيادة التدريجية للمرتبات أي افضل للموظف أن يكون راتبة خمسة ألف جنية بدلا عن عشرون ألف جنية فى حالة وقف التضخم فمثلا  كان راتب احدي الموظفات بقطاع الصحة حوالى ثلاثة الف جنية ارتفع مباشرة إلى خمسة عشر الف جنية ولم  تصدق ذلك والفرح يكسو وجهها وبمجرد أن صرفت الراتب خلال فترة الشهر الكريم ذهبت لشراء بعض حاجات الشهر من تبلدي وفواكه و شوية قمردين وذبيب وكنافة وجدت إنها صرفت اكثر من خمسة الف جنية فى كيس يحمل على اصابع اليد فاحست بأن مبلغ الراتب الجديد لاقيمة له مع جشع  السوق وزيادة التضخم الذى كاد يصل لما يعرف بالتضخم الجامح أو المفرط وهو أن التضخم يبلغ أعلى متسوياته خلال العام تصل إلى 1300% وترتفع الأسعار إلى أرقام فلكية وتصبح النقود بلا قيمة تقريبا. والسؤال الذي بطرح نفسه من أين وجد السيد وزير المالية هذة المبالغ التى صرفت على زيادة الأجور  وربما تصل إلى أرقام فلكيه  هل قامت الحكومة بطباعتها وهو مؤشر الواقع دون وجود غطاء حقيقي وسندات تقابل زيادة  المبالغ المطبوعة والسؤال الثاني يطرح نفسه هل الحكومة قادرة على مواصلة صرف زيادة الأجور خلال شهور العام المتبقيه فى ظل انعدام الموارد لخزينة الدوله أم سيكون شهر عسل عابر وتنتهي القصه والأدهى والأمر إذا سارت على سياسية ( رب رب ) لطباعة العملة واغراق السوق بفئات 500 ج و1000ج الجديدة فى ظل  تحرير أسعار الوقود والخبز ووصول رطل الحليب إلى أكثر من 40 ج وكيلو الطماطم أكثر من 100ج وقطعة اليمون 10 ج وكيلو اللحمة 700 ج وطبق البيض 350 ج غير فاتورة الدواء والكهرباء والتعليم وخلافه وبهذا تكون زيادة الاجور ماهي إلا (فورة لبن) حينما يذهب بها جحا إلى السوق لاتساوي شيئا ويقول لضيوفه (شرفتوا ) يردون علية (شرفنا أكتر ) ويضحك حجا ماسكا لحيته ( خشوا لاجوه اللبن فاييير ) هل يحب السيد وزير المالية اللبن الرائب بالكسره الفطيرا.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق