رحم الله البروفسيور طه طلعت
عرفت البروفسيور طه طلعت في ستينات القرن الماضي عندما أجرى عملية جراحية للوز بمستشفى الخرطوم لشقيقتي آمنة وقد كانت مثل هذه العملية في ذلك الزمان مما يثير الدهشة والشفقة وتحدثت له عند باب العملية وأنا مشفق من نتائج العملية فقال لي إنها بالنسبة له مثل إخراج شوكة من قدم طفل ولن تعاني المريضة أبداً بإذن الله وانصرف وهو يبتسم وما كنت أظن أني سألتقي به مرة أخرى .
دارت الأيام وكان من حسن حظي أنه جاء لصحيفة أخبار اليوم لعمل إعلان للجمعية العمومية للجمعية السودانية لرعاية الصم والبكم وهي جمعية خيرة تعني برعاية الصم والبكم قام بإنشائها البروفسيور طه طلعت وظل مهموماً بها إلى أن فارق الحياة وبتشجيعه لي إنضممت للجمعية وشاركت في أنشطتها حتى توليت في واحدة من دوراتها نائب الرئيس وظلت علاقتها بأخبار اليوم مستمرة وقد أصدر الأستاذ أحمد البلال الطيب قراراً بنشر إعلانات الجمعية مجاناً صدقة لروح والده الشيخ البلال تقبل الله منه والبروفسيور طه كان عندما يرسل لنا الإعلان للنشر يصرّ على كتابة على نفقة الشيخ البلال .
طه طلعت رحمه الله كان ينفق على الجمعية بلا حساب لقلة موارد الجمعية وكنت أعلم ويعلم غيري من أعضاء الجمعية أنه إذا عاد من عيادته الخاصة والجمعية تحتاج للمال صرف كل عائده من عمله في العيادة على الجمعية دون منٍ ولا أذي ولذلك أحبه الصم والبكم وتعلقوا به وكانوا عندما يلتقون به يتعلقوا بثيابه ويحتضنهم مثل ما كان يحتضن أولاده وبناته
القفزة الكبيرة التي حدثت في تعليم الصم في السودان والزيادة الكبيرة في خريجي الجامعات من الصم والبكم يعود الفضل فيها بعد الله لطه طلعت وما زالت مدارس الصم بمراحلها المختلفة تجد العون من الجمعية القومية لرعاية الصم والبكم وكثير من أعضاء الجمعية يتقلدون مواقع عمل مهمة في بعض دواوين الدولة وقد أثبتوا نجاحاً كبيراً ووجدوا إحتراماً من زملائهم ورؤسائهم
لقد بذل رحمه الله جهداً كبيراً لتعليم لغة الصم وأعد لذلك قاموس لغة الصم ويقيم الدورات لنشر هذه اللغة وكان دائماً يقول لي إن لم تفهم لغة الصم فالعيب فيك لأنك جاهل بلغة الصم وليس العيب في الأصم وهي عبارات فلسفية لحض الناس لتعلم هذه اللغة الراقية بنوعيها المحلية والعالمية .
اللهم أرحم عبدك طه أحمد طلعت وأبني له عندك قصراً في الجنة بقدر ما قدم للإنسانية من عنايته الطبية لمرضاه وتدريب لطلابه ورعايته للصم والبكم في السودان وإلزمنا وأهله وأبناؤه الصبر وحسن العزاء ( إنا لله وإنا إليه راجعون)
