الأحد, 07 فبراير 2021 07:16 مساءً 0 629 0
قراءة في رواية : تسنيم طه .... رواية المقموعين  (1)
  قراءة  في  رواية : تسنيم طه  .... رواية المقموعين  (1)

في عام 1491 تم توقيع المعاهدة السرية بين أبو عبد الله محمد الصغير (آخر ملوك غرناطة) وملكي قشتالة وأراجون (فرديناند وإيزابيلا)، والتي تنازل بمقتضاها عن ملكه وتسليم مفاتيح الحمراء فنال مكافأة قدرها ثلاثين ألف جنيه قشتالي وصون حقه الأبدي في ممتلكاته. فانتشر الخبر بين السكان انتشار النار في الهشيم، وافتضح أمر الملك الصغير، وعاش الناس أيامهم ولياليهم في خيبة تثقلهم مرارة اكتشافهم أنهم بيعوا كالأغنام والماشية. وماهي إلا أيام معدودات حتى بدأت رحلتهم مع أعظم معاناة في تاريخ الأندلس. فبالرغم أن من شروط مرسوم الحمراء المكتوب على ورق معاهدة غرناطة أن يتمكن المسلمون من الحفاظ على ديانتهم وعاداتهم وتقاليديهم، إلا أنه على أرض الواقع تم ارتكاب جميع الخروقات والجرائم المتصورة.
عندما تقرأ هذه الرواية ستعيش مع سكان غرناطة قهرهم وذلهم، وستشعر بأنك موريسكيٌّ مضطهدٌّ على استعداد لصعود أول سفينة بدون مقاومة للإبحار بعيدًا عن الأندلس.
وكيف لك أن تقاوم لتؤثر البقاء وكل هذه الأهوال تنتظر؟
فأول أمر سيفرض عليك هو تغيير دينك لأن النصرانية هي الدين الوحيد المعترف به، وإذا رفضت تُقْتَل. ثانيًا عليك تغيير اسمك وتختار واحدًا مثل ألفونسو أو خوان أو فيرنانديد أو ماريا أو اسبيرانزا، لأن الأسماء العربية مثل محمد وحسن وفاطمة لم يعد مسموحٌ بها، وإذا رفضت تُقْتَل. ثالثًا أنت ملزمٌ بحضور القداس في الكنيسة، وعليك ألا تنسى ترك باب بيتك مفتوحًا يومي الخميس والجمعة فقد يأتي جنود التفتيش ليتأكدوا من عدم اتباعك لعادات وشعائر دينية تعظم ليلة أو يوم الجمعة. وإذا رفضت تُقْتَل. رابعًا، استعمال اللغة العربية من الجرائم، وكل من يتحدث بها يكون مصيره القتل. خامسًا وسادسًا والقائمة تطول. مداواة المرضى تعتبر من أعمال السحر وممارس السحر يُصلب في ساحة الرملة المركزية وتضرم فيه النيران وسط حضور السكان. جميع مظاهر العادات العربية ممنوعة: عقد القِران على إيقاع الدفوف والأهازيج، تخضيب اليدين والشعر بالحناء، طهور الصبية، استطلاع هلال رمضان والعيدين، غطاء الرأس للنساء، حياكة ولبس الملابس العربية، الذهاب إلى الحمام. بل أنه لم يعد هناك حمامات بعد أن أصدر القشتاليون مرسومًا بإغلاقها جميًعا فور دخولهم غرناطة، بحجة أنها عادات عربية انشر الجراثيم والأوبئة.
الآن وبعد أن أخذوا منك كل شيء (الدين والهوية والثقافة) هل تظن أن يتركوك وشأنك؟ كلا، سيقومون بطردك من بيتك وبلدك كالكلب، لتتحول أملاك إلى الإقطاعيين، وإن تعمدت اخفائها أو حرقها ستقتل وتموت شر ميتة. مُت؟ وتنتظر أن يغسلك أهلك ويكفنوك ويصلون عليك صلاة الجنازة؟ سيكون ذلك في الأحلام، لأن تلك الطقوس أصبحت تعد الجرائم ستسوق ممارسيها إلى الحرق في الساحة المركزية.
كل هذه الأساليب من القهر والظلم والضيم دفعت الأهالي إلى حالة قصوة من اليأس، فقامت ثورتين لم تنجح أيٌّ منهما إلى أن أُصدر قرار الترحيل.
ثلاثية غرناطة هي رواية تاريخية تتكون من ثلاثة أجزاء وهي على التوالي: غرناطة-مريمة-الرحيل. نشرت الرواية الأولى (غرناطة) في عام 1994، بينما نشرت روايتي ( مريمة والرحيل) في طبعة واحدة عام 1995. وتدور الاحداث، ضمن معاهدة التنازل عن غرناطة وحرق الكتب وثورتي البيازيين والبشرات، وتتناول مواضيع التشتت الجماعي لأهالي غرناطة والترحيل النهائي لعرب الأندلس، وتشابك الأحداث ببطء لتصوير حياة أهل غرناطة بعد توقيع المعاهدة، وانقلاب الأمور رأسًا على عقب دفعت بأبي جعفر الوراق، تعليم حفيدته (سليمة) اللغة العربية لمعرفته أن اللغة القشتالية لا محالة قادمة لتهدد بطمس الهوية العربية.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق