الأحد, 21 ابرايل 2019 02:50 مساءً 0 504 0
حتى لا يفاجئنا الخريف والإدارة الحضرية الحديثة وإدارة الكوارث
حتى لا يفاجئنا الخريف والإدارة الحضرية الحديثة وإدارة الكوارث

«حل الخريف حل أهلاً به وسهلاً» نشيد معروف درسه وأنشده وتطلع إليه الجميع صغار وكبار أساتذة وتلاميذ مزارعون ورعاة من ينشد النسيم العليل والخضرة ورخص الخضار والألبان والذرة والدخن والفول وحب البطيخ والماء في الأيام القاحلة و»بت أم ساق فوق حدب الفريق اتعشت» كما قال الآخر، وهو نعمة من الرحمن الرحيم اللطيف الخبير الجواد الكريم الذي أرسل الماء إلى بلد تعاني من الفقر المائي، وقد جعل المولى سبحانه من الماء كل شيء حي «وجعلنا من الماء كل شيء حي» سورة الأنبياء الآية 30 الجزء 17. وبلادنا في الغالب تشكو العطش أكثر مما تشكو الري وفائض المياه بالرغم من أن السودان يعتبر في بعض الدراسات الغربية من أفضل خمس دول في العائد من استخدام المياه مع تركمانستان وإندونيسيا وغويانا وغينيا الاستوائية، واعتبرت الدراسة أن الولايات المتحدة من أكثر الدول تبذيراً في استخدام المياه للأغراض المنزلية وأقلها عائداً في الاستخدامات الصناعية.
ومعلوم أن دول حوض النيل الشرقي السودان أراضٍ كبيرة ومياه قليلة وأثيوبيا مياه كثيرة وأراضٍ قليلة ومصر أراضٍ قليلة ومياه قليلة.
فنحن أحق الناس بالاجتهاد المستمر المستدام المنضبط في اصطياد هذه المياه متى ما هطلت وأين ما هطلت يجب أن تجد المسارات الآمنة والخزانات الوافية لاصطيادها، ظللنا سنيناً عدداً نتحدث عن حصاد المياه ولكن في اتجاه واحد وصوت واحد لا يحتاج لثانٍ ولا من يستدرك عليه، ظللنا نطلب من الجهة أو الشخص القائم على المشروع تقويمه وإصلاحه وهو خطأ منهجي بين لا يحتاج إلى إبانة، وظلت كثير من المشروعات والسياسات ترزح تحت وطأة التعبوية الثقيلة من معاضديها ومنتقديها وغابت النظرة الموضوعية أو تم تغييبها.
ما حدانا لبسط القول في هذا الأمر بالرغم أنه أمر معاد مكرر في كل عام وفي كل مناسبة وهو المفاجأة في ما لا مفاجأة فيه أو منه. فكأننا لم نعهد رمضان أو  الأعياد أو الأمطار أو الخريف أو الصيف أو الشتاء أو الأعراس أو مواسم الحج و الاعتمار أو مواسم التحصين أو الحصاد أو التحضير أو صادر الأضاحي فكل موسم عندنا مهدد بالفشل وكل فرصة مهددة بالضياع وكل نجاح مهدد بالتعطيل وكل إنجاز وأمل مهدد بمفاجآت هي ليست مفاجآت إنما هي محسوسات ومنظورات، ويعود ذلك للمجاملات وعدم تقويم النتائج وضعف وسوء التخطيط وضعف الإنجاز والأداء ليس في الخريف والأمطار والسيول والفيضانات بل في أسعار الدولار وإنتاج السكر وافتتاح مصانعه وتعلية الخزانات بدون قنوات تصب فيها المياه وبدون مزارع موزعة ومخططة ودورات زراعية ومزارعين على رأس العمل ينتظرون وصول المياه وقد بذروا البذور ونثروا معها المبيد.
ولعل من الأشياء التي لم نفشل فيها بعد الفريق  عبود عدم مد أي كيلومتر من السكك الحديدية، أو لم نفشل بل أنجزنا بامتياز تدمير الخطوط البحرية أو كدنا، أو لم نفشل في تركيع الخطوط الجوية السودانية، أو لم نفشل في تدمير صناعة النسيج الواعدة وزراعة القطن وبيع مصانع النسيج حتى يفرح المصدرون الصينيون ويبتهج مستوردو سوق ليبيا وتتشرد الآلاف المؤلفة من المهندسين والصناع والعمال المهرة وبذلك يتم استدامة العجز في الميزان التجارة وتآكل القوة الشرائية والعملة الوطنية وضياع ما يقارب الثمانين بالمائة وأكثر من العائد الممكن جداً إذا صدرنا زيوتاً وملبوسات ومنسوجات ومنتجات لحوم وألبان وأصماغ وإذا احتفظ بنك السودان بمخزون الذهب احتياطياً بائناً ولم يصدره.. هذا وذاك حققنا فيه إنجازات غير مسبوقة ببيعه خرد ومهملات بالوزن وصدرناه خاماً وتبقى الديون الخارجية تتصاعد.
 أما الخريف والموسم الزراعي في القطاع المطري والمروي في المشاريع الكبرى الجزيرة وحلفا والرهد والسوكي والنيلين الأبيض والأزرق وغيرها  فلم يبق صاحب قلم لم يكتب ولم يبق صاحب قرار لم يتحدث أو يوجه والحال كما هو. ولم نسمع من صاحب قرار على أي مستوى توبيخاً أو محاسبة أو عقاباً أو فصلاً فكل من كان منه مطلوب إنجاز يحفز على سوء تخطيطه ويحفز على ما أنجز ويحفز على إعادة التخطيط أيضاً وكأنه لم يخطط ويرسم ويسلم ما تم البناء عليه في تلك الخيران، ومجاري السيول والأمطار والمياه لا تترك مساراتها وهذا أمر معروف للعالم والجاهل.
كأننا لم ندرس علوم التخطيط الحضري والإدارة الحضرية والعالم يزحف نحو التحضر ويبتعد عن الريف ونحن نبنى في الحواضر دون تخطيط وإدارة حضرية حديثة شاملة لكل النواحي من الصرف الصحي وتصريف المياه وحتى إدارة الخدمات والمواصلات متعددة ومتسقة الوسائط ومشكلات انتشار المخدرات والجريمة وغيرها.
كان بجامعة الخرطوم— الجامعة الحضرية الأم — معهد للتخطيط الحضري لعدة سنوات وبدأنا نعد فيه برنامجاً للدبلوم والماجستير للإدارة الحضرية، مكثنا في إعداده عدة سنوات من شعب الهندسة والإدارة والعمارة والاجتماع والقانون وغيرها حتى خطر لأحد العباقرة في ساعة توهج أن يلغي ليس البرنامج فقط بل المعهد كله.
مشكلات الخريف وعدم التصريف ألسنا جميعاً شركاء في ذلك، فالسائر في الشوارع الأزقة والحواري والأحياء والأسواق راكباً أو راجلاً في الخريف وغيره يلحظ اعتداءاتنا جميعاً إلا القليل، حكومة ومواطنون يلحظ تعدينا على الساحات العامة المحجوزة لأغراض التنفس العام والميادين والساحات واحتياطي الشوارع للتوسعة المستقبلية... أو ما عرف بحرم الشارع.. يلحظ اعتداءات الدولة ومؤسساتها بالتضييق على ذلك للأغراض الآنية وحيازة ما ليس لنا ووضع الحواجز والمتاريس كل أمام منزله ومتجره ووضع بقايا المباني وغيرها وإنشاء المظلات وأمثالها على المساحات العامة بلا حرج لأنه يعلم أنه لن يسأله أحد.. أما الأفندية فأمرهم  هين فالرشاوى متاحة سهلة تفعل فعلها وإلا فالإيصالات لأن المحلية تحتاج إيرادات فيتم تقنينها بلا قانون وأنظمة الحوافز التي تم ابتداعها تشجع على ابتداع ما يسمى بـ»الجبايات» ولم يقتصر هذا على المحليات والمواطنين فقط بل حتى الحكومة المسؤولة عن التخطيط الحضري حاضراً ومستقبلاً، فقد حدثني البروفيسور العلامة الحبر جعفر ميرغني أحمد مدير معهد حضارة السودان أن العرض المخطط لشارع الجامعة من بدايتها حتى القضائية أكثر من ثمانين متراً وكذلك شارع النيل، وهنالك احتياطي محجوز للتوسعة المستقبلية اثنين وعشرين متراً على كل من جانبي الشارع. وقد تم التخطيط عام 1900 وتم انتقال الحكومة من بقعة المهدي أم درمان عام 1902. وقد ذكر اللورد كتشنر أن هذا التخطيط بتلك السعة ليستوعب الحركة المستقبلية حين تصبح الخرطوم أكبر سوق في إفريقيا حسب التخطيط الإنجليزي للسودان فتحتاج للشوارع الفسيحة والميادين واحتياطي الحكومة لما يستجد من أحوال. كان ذلك حين كانت الحركة تعتمد فقط على الدواب ولم تأت السيارات والركشات والحافلات والأمجاد وهلمجرا فأحالت العاصمة والسير فيها إلى هاجس مزعج.
حاول المرحوم عثمان عبدالقادر عبداللطيف الحاكم الأسبق للإقليم  الأوسط من  قبل حزب الأمة إبان حكومة السيد الصادق المهدي في العام 1987 ووزير المواصلات لاحقاً تبرئة حرم شارع الخرطوم مدني من الاعتداءات ووضع العلامات لذلك ولم تمهله الأقدار وحاول  عدد من الولاة والإداريين أن  يفعلوا شيئاً بإزالة بعض الاعتداءات والمخالفات ولكن ذلك لا يحتاج  للوالي أو الحاكم فقط بل للأجهزة التي تتبع له، ولا بد أن يأخذ  والي الخرطوم وأجهزته هذا الأمر مأخذ الجد والحزم والعدل فقد طفح الكيل أو زاد أوكاد  واختفى النيل أو كاد بالخاص والأصل أن يكون متاحاً عاماً للكل بلا حواجز أو موانع كما في كل دول العالم المتحضر.
 انظر رحمك الله إلى نهر التايمز أو السين أو بحيرة جنيف أو نهر البوتوماك من منبعه حتى مصبه بواشنطن العاصمة الأمريكية بطوله البالغ ستمائة ستة وستين كيلومتر.
على كل نأمل أن تتم معالجة ما يتعلق بكوارث هذا الخريف وغيره بالحزم والجدية والعلمية اللازمة.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق