الثلاثاء, 27 أغسطس 2019 01:16 مساءً 0 520 0
مقال
مقال

الجنيه السوداني هل يمكن أن يستعيد قوته ؟ نعم ولكن وأيضا (1-2)

 

منذ عقود يدور الحديث عن تآكل القوة الشرائية للجنيه السوداني للسلع والخدمات و قيمته التبادلية فى مقابل العملات الأجنبية القابلة للتداول الحر. وتحدث الدكتور عبدالله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الانتقالية فى أول أحاديثه ولقاءاته عن جملة أهداف ونتائج مطلوب تحقيقها بواسطة الحكومة الجديدة .. والتى لم يتم تكوينها بعد حين كتابة هذا المقال فى يوم السادس والعشرين من شهر أغسطس عام 2019 . تحدث رئيس الوزراء عن مهام كبيرة وخطيرة وملحة تواجه الحكومة ويتطلع المواطنون اليها. اول تلك القضايا هي محاربة الفقر وتحقيق مجانية التعليم والصحة وما اليها. وهذه من اولى واجبات الدولة ايا كان تصنيفها رأسمالية اشتراكية شيوعية او إسلامية او غير ذلك.
واول ما يواجهه المواطن فى كل صباح ومساء كم يساوى الجنيه السودانى فى سوق السلع والخدمات وسوق العملة هذا لا يواجه المواطن فقط فى معاشه اليومي بل يواجه الحكومة فى مقدرتها على الالتزام بواجباتها نحو المواطن ومطلوبات تسيير الدولة الواضح للجميع ان هنالك تآكل مستمر للقوة الشرائية والقيمة التبادلية للجنيه السودان حتى اصبح السؤال مشروعا هل يساوى الجنيه السودانى القيمة التى كُتب بها ؟ وقد كان للجنيه السودانى قيمة يؤبه بها حين كان حجم الناتج المحلى الاجمالى نسبة قليلة مما هو عليه الان. فقد كان راتب العامل فى الدولة ايها كانت درجته يكفى لاحتياجاته واحيانا يفيض. وقد وصل الجنيه السودانى الى ما يعادل الثلاثة دولارات أمريكية و ربع الدولار وجنيه ونصف الجنيه الاسترلينى واثني عشر ريالا ونصف الريال السعودى واربعة عشرة جنيهات مصرية فى سوق امبابة للجمال.
وكان سعر تذكرة سودانير ذهابا وعودة الخرطوم جدة الخرطوم ثلاثة وثمانون جنيها .وكان كوب الشاي السادة فى السوق وقهوة النشاط بجامعة الخرطوم ب  تعريفة اي الجنيه  يشترى مائتي كوب من الشاي السادة ومائة كوب من الشاي الحليب وكانت ماهيتنا عند ما كنا مساعدي تدريس بالجامعة ستون جنيها اي تعادل اثنا عشر ألف كوبا من الشاي وماهيتنا الآن اذا تم مقارنتها بتلك بداية سبعينات القرن العشرين تكاد لا تساوى ثمن الحبر الذى كُتبت به فهل يمكن استعادة ؟ نعم اذا تم اتخاذ سياسات صحيحة لإصلاح الاختلالات الهيكلية  فى السياسة الاقتصادية الكلية فى السياسات المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية وإصلاح الخدمة العامة الموحدة للدولة الواحدة ولكن تلك السياسات والإصلاحات الهيكلية تتطلب إرادة وعزيمة ووضوح رؤية وإدارة حازمة واعية علمية لا تشرع الأبواب والنوافذ للاستثناءات .
فى مجال السياسات المالية لا بد من معالجة الخلل الكبير والعجز فى موازنة الدولة بتحديث إدارتها بتطبيق أنظمة الحكومة الالكترونية التى لا تستثنى جهة والتى تؤكد على الشفافية الكاملة والضبط الحازم فالموارد العامة إيرادا وصرفا بلا استثناءات. الشمول المالى والضريبي  لكل الدخول والأرباح الظاهرة والمخفية العودة الى النظام الادارى والهيكل الوظيفي والراتبى الموحد لكل العاملين بالدولة اي كانت وزاراتهم ووحداتهم.الموازنة الواحدة الموحدة للدولة والغاء البدعة المنكرة التى لا مثيل لها والمسماة الوارد الذاتية بلا استثناء وعلى الفور فى قرار من جملة واحدة فليس هنالك موارد ذاتية فى أجهزة الدولة بل كله موارد عامة. هنالك بنود للصرف يمكن إلغائها فورا وبلا مواربة او تأجيل مثل السيارات الحكومية الا للعمل او الطوارئ. وبيعها جميعا واستخدام العائد من بيعها للمدارس المراكز الصحية وآبار المياه وتطوير النقل العام للكل ، الغاء بند الضيافة وشراء الأثاثات الفاخرة والزائدة عن حاجة كل موظف من كرسى وطاولة وإعادة توزيع المتبقي على المدارس والمستشفيات وما إليها ، الإلغاء الفوري للإيجارات الحكومية للمكاتب والسيارات والمنازل ، إعادة النظر فى الحوافز والمكافاءات التى يتم منحها لأعمال داخل ساعات العمل ، إعادة النظر فى كل الأجور والمكافاءات والبدلات التي يتم صرفها بالعملات الأجنبية للعاملين بالداخل والخارج.تحصيل سائر الإيرادات المنصوص عليها قانونا.
إلغاء كافة الاعفاءات والامتيازات الممنوحة فى حقيقتها عطاء من لا يملك لمن لا يستحق سودانيا كان او أجنبيا وان يكون كل ما يرد من منظمات وهيئات أجنبية تحت سمع الدولة وبصرها ورقابتها ومراقبتها حتى يذهب الى الأولويات الصحيحة الصريحة.
اذا تم ذلك وخضع له الجميع وتم تطبيقه بإرادة واضحة وإدارة شفافة عادلة فهو وحده كافي ان يزيل عجز الموازنة العامة ويخفف الضغط على قيمة الجنيه السودانى ويجعله ينطلق الى أعلى.
ولكن هذا وحده ليس كافيا بل يتم تطبيقه جزءاً من حزمة إصلاحات هيكلية كلية فى السياسات التجارية  والتى من أهمها إيقاف صادر الخامات واعتماد المصنع فقط ... بما فى ذلك إعادة تسمية الوزارة ب وزارة الإنتاج والتصنيع الزراعي و السياسات النقدية القائمة على توريد كل حصائل الصادر بالنقد الاجنبى فى البنك المركزي والسياسات الاستثمارية والتى من مقتضياتها توريد تكلفة المشروعات الاستثمارية الجاهزة بالنقد الاجنبى للبنك المركزي ثم الصرف منها بعد ذلك واستعادة المؤسسات الإستراتيجية العامة للدولة وإصلاحها وتطويرها التي سنعرض تفصيلا في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق