الاربعاء, 12 فبراير 2020 03:48 مساءً 0 743 0
للجميع فقط
للجميع فقط

بقلم:
أحمد مجذوب المبارك الشريفي

استراتيجية الرقابة لمكافحة الفساد (3)

معلوم للكل أن السلطات ثلاث (تشريعية، تنفيذية، قضائية)، هذه السلطات متشابكة ومترابطة، وأن السلطة التنفيذية تستطيع ان تؤثر في السلطتين الأخريين. هذا التشابك ليس الا مظهرا للتعاون القائم بين السلطات جميعها، فالسلطة التشريعية تضع القوانين، بينما للحكومة الحق أيضا في اقتراح القوانين ,ثم لها سلطة التصديق عليها.
وللسلطة القضائية استقلالها، بينما السلطة التنفيذية هي التي تنفذ أحكامها وتعين قضاتها كل هذا لايشكل تناقضا انما يشكل التعاون الحتمي بينها .
ثم قالوا السلطة الرابعة هي الصحافة بخصوصيتها و الاعلام بعموميته، هذه السلطة لها ميزة غير متوفرة ولن تتوفر في أي من السلطات الثلاث المعروفة، وهى أن الصحافة سلطة مستقلة، لا سلطان عليها في عملها لغير القانون، وليس لأي سلطة أخرى حق التدخل في أمورها، الا أن مفهوم السلطة الرابعة غير دقيق و فهم الناس عامة له ليس متناسبا مع هذه السلطة، فالمصطلح يشير الى مفهوم آخر حيث يبدو أن تعبير «السلطة الرابعة» تعرض إلى فهم خاطئ في اللغة العربية، إذ يكثر ربطه بالسلطات الحكومية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتبار أن الصحافة -أو وسائل الإعلام عمومًا- هي سلطة رابعة نظير ما لها من تأثير؛ إلا أن السلطة المعنية في المصطلح، تبعًا لمن أطلقه أول مرة، هي (القوة) التي تؤثر في الشعب وتفوق قوة الحكومة. اذا هذه هي الصفة التعريفية المطلوبة للجهاز الرقابي (القوة)، بالتالى الصحافة «خاصة» جزء ومكون أصيل في عمل الجهاز الرقابي، فهي عين تنظر وتراقب، ترصد الخلل وتبين مواقعه مشفوعة بالمستندات والوثائق التي تثبت صحة الواقعة، لكنها رغما عن هذا تكون قاصرة في تحقيق الأبعاد الرقابية.
كل ما سبق من سلطات مهما كان مستوي سطوتها لا تحقق الأبعاد الرقابية، فالقوة الرقابية اذا أخذت وضعها الصحيح تجعل كل باقي السلطات الثلاث ترهبها وتعمل لها ألف حساب، فسلطة الرقابة وهو المصطلح الذي يجب أن يكون أهم وأقوي مصطلح على باقي السلطات وتتقدمها كسلطة (تمييزية)، بمعني أن كل السلطات تخضع للرقابة وتفتح لها الأبواب (قسرا)، وقد تضطر الرقابة أن تكسر الأبواب، (أي باب) وفي أي وقت، فالرقابة تهدف إلى التأكد والتحقق من أن جميع دواوين الحكومة وجميع هيئاتها التي تتبع للوزارات قد أدت رسالتها، فلابد (طواعية أو قسرا) أن تتم رقابة أداء جميع الأنشطة التي تمارسها الوزارة والتي تسعى إلى تحقيق تلك الرسالة, وهي الأنشطة الإنتاجية والمالية والتسويقية وأداء الأفراد وجودة العمليات.. الخ، والتي تختلف بالطبع تبعاً لنوع الوزارة, هل هي إنتاجية أم خدمية؟.. الخ.
لهذا فسلطة الرقابة كما قلت سابقا لا تخضع مسؤولياتها و الاشراف عليها من قبل سلطة تنفيذية بل سلطاتها رئاسية أو سيادية أيا ما يكون المصطلح وحسب ظروف وأحوال الحكم، المهم أنها تستمد قوتها من الرجل الأول في السلطة، و هو المرجع الرئيسي، وكل من تحت سلطته (جميعهم) يجب أن يكونوا خاضعين للرقابة، ومن حق الجهاز الرقابي وفق (المعايير) الخاصة بكل وظيفة في الدولة أن تتأكد من حسن الأداء لكل مسؤول مهما علا شأنه الوظيفي، ثم الثواب والعقاب، بعد المساءلة في حال التقصير، والجهاز الرقابي غير معني بهذه المساءلة بتاتا، وهذا لن يكون الا بعد تحديد المعايير والأهداف، خلق المقاييس وأنظمة التوجيه، مقارنة الأداء الفعلي مع الأهداف الموضوعة، تقييم النتائج واتخاذ الأعمال التصحيحية في حال وجود ضرورة وانحرافات.
الا أن صدق ودقة البيانات يعتبر ركيزة أساسية في عملية الرقابة و هذه الدقة و الصدق تتوقف على حسن ودقة وموضوعية تصميم المقاييس المستخدمة، هناك بعض الاعتبارات و الضوابط لا بد من مراعاتها عند تصميم معايير الأداء فعليها تتوقف فاعلية و دقة المعلومات. أي خلل سيقود الى إضعاف الرقابة أو فشلها، لهذا لابد من تحقيق مجموعة من الخطوات التي تضمن تحقيق النجاح للرقابة:
_ الصدق : « Validity « أي أن جميع العوامل التي ستتبع في المقياس يجب أن تعبر عن تلك التي يتطلبها أداء العمل لا أكثر و لا أقل.
_الموثوقية : « Reliability «يتعلق الثبات بالمقياس و ليس بالأداء، لأن أداء الفرد قد يتغير أو يخضع لتقلبات مما قد يظهر قيم متفاوتة تعطيها مقاييس الأداء.
_ التمييز : « Discrimination « أي قدرة المقياس على التفرقة بين المستويات المختلفة للأداء حتى بالنسبة للفروقات البسيطة.
_ أن يكون عملي : « Practicality  «  لابد من مراعاة سهولة استخدام المقياس و وضوحه و القصر النسبي للوقت و قلة الجهد الذي تستغرقه عملية القياس.
    إذاً تحديد المعايير بدقة في كل مجال وظيفي ستتم فيه عملية الرقابة يسهم في فعالية العملية الرقابية لأن المعايير تنطلق من رسالة كل وزارة، فأن تحقيق هذه المعايير سيحقق للوزارة رسالتها وبقاءها واستمرارها، فإن المعايير لابد أن تكون واقعية و ليست مثالية، تُراعي البيئة الداخلية و الخارجية للعمل.
ثم ًأن التوقيت المناسب لإجراء القياس يتوقف على الهدف من قياس الأداء فهل هو القيام بالرقابة التوجيهية، أي اكتشاف الانحرافات عن المعايير الموضوعة في كل مرحلة لكي تقوم الإدارة بالتصحيح اللازم و الانتقال إلى المرحلة الآتية حتى الانتهاء من العمل موضع الرقابة، أم الهدف هو تقييم العمل بشكله النهائي بمراحله المختلفة؟.
وأخيراً تتوقف فاعلية هذه الخطوة باعتبارها خطوة أساسية في عملية الرقابة على دقة و صحة المعلومات حول الأداء الفعلي و على إجراء القياس بمعاييره المحددة وفي الوقت المناسب. أما فيما يتعلق بأدوات قياس الأداء فسنتطرق إليها بالتفصيل لاحقاً.   
الأهم في هذه الخطوة أن نقوم بمقارنة الأداء الفعلي مع الأداء المرغوب (التخطيط) لتحديد فيما إذا كان هناك تطابق بينهما أم هناك اختلاف, و هل هذا الاختلاف مقبول أم غير مقبول ؟ فمن خلال المقارنة بين الأداء الفعلي والأداء المرغوب نستطيع تحديد الفجوة بينهما و نحاول العمل على إغلاقها بمعرفة التغيرات الداخلية و الخارجية، إذاً في هذه الخطوة يتم التعرف على الاختلاف بين الأداء الفعلي والمخطط وهل هذا الاختلاف ذو أهمية ويجب تصحيحه أو يمكن قبوله؟ وتبنى المقارنة على التغذية العكسية أي على نتائج الأداء الفعلي.
تبقي الخطوة الأهم وهي الخطوة الأخيرة في عملية الرقابة، و فيها نصل إلى خيارين :
تطابق الأداء الفعلي مع الأداء المخطط في هذه الحالة نتابع عملية الرقابة وفق برامجها ومخططاتها.
وجود انحراف عن الأداء المخطط في هذه الحالة لابد من اتخاذ الإجراءات التصحيحية.
بالتالى وفي حالة وجود انحراف في الأداء لابد من اتخاذ الإجراءات التصحيحية «Corrective Action  «, ويكون ذلك بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى الانحراف من خلال تشخيصه من جوانبه المختلفة ( هل تم الانحراف بالصدفة، أو بسبب خطأ في تطبيق العمليات ......؟.الخ.للعمل على علاجه و تصحيحه بعد الكشف عن أسبابه الحقيقية، و لتقوم المنظمة بتحديد أهداف واقعية في المستقبل من خلال تعديل الأهداف أو الأساليب.
يجب أن نعلم أن العملية الرقابة هي عملية يجب أن تكون مستمرة طالما أن هناك خطط للتنفيذ، و انتقاء نقاط المراقبة شيء أساسي في فاعلية الرقابة و يجب أن تكون الرقابة متعددة تشمل جميع النواحي العملية ( اقتصادية، مالية، اجتماعية، تقنية...الخ ). والإدارة الرقابية الواعية هي التي تستطيع اختيار معايير الرقابة و تحديد نوعها و نقاط المراقبة و تكرار هذه الرقابة و جميع جوانبها حسب نوع النشاط الذي تقوم به و تفرضه عليها بيئتها و ظروفها المحيطة بما يتلاءم مع خططها و تنظيمها و ينشط أفرادها ويجعل أجزاءها تسير بشكل منسجم و متناسق نحو أهداف المنظمة، مع العلم أن تصحيح الانحرافات في الأداء يتوقف على مدي معرفة السبب الحقيقي للانحراف، هل تم بالصدفة أم بسبب خطأ في تنفيذ العمليات أم بسبب خطأ في وضع المعايير.....؟.. الخ.للسعي لمعالجة السبب وتنفيذ الخطة الاستراتيجية كما هي.
و الأهم وقبل تصحيح الانحراف أو حتي بعد تصحيحه (المساءلة) ومستوي العقوبة التي تتناسب مع حدة الانحراف، وقبل العقوبة النظر في الإيجابيات و الإنجازات التي تحققت وكيف يمكن مكافأة من أنجز سواءا جماعات أو أفراد، وزارات، هيئات، إدارات، كل اسم اعتباري يمكن أن يقع عليه العقاب وقبله الثواب، وهذا يقودنا الى السؤال المنطقي، هل يمكننا أن ننهي عهد الاحتفالات بأعياد الاستقلال المكررة، ذات الصرف العالى في غير ما نتيجة إيجابية غير تكرار الخطب و تغير المخاطبين، هل يمكننا أن نحولها الى احتفالات (انجاز) على جميع المستويات، هذا سيتحقق حتما أذا قمنا بتنفيذ و إنشاء جهاز قومي للرقابة.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق