الثلاثاء, 17 مارس 2020 02:01 مساءً 0 500 0
تاملات
تاملات

جمال عنقرة

الفترة الإنتقالية في خطر

ذكرت في أول مقالات كتبتها في الأيام الأولي لنجاح ثورة ديسمبر المجيدة، وقبل تكوين أجهزة الحكم، وأعني مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وذكرت أيضا في برنامج  (أوراق) الذي أعده وأقدمه مساء كل أربعاء في قناة الخرطوم الفضائية، ذكرت أني أتعامل مع الأحداث بطريقة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، الذي جاء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له (الناس يسألون عن الخير، وأنا جئت أسألك عن الشر، فهل من بعد هذا الخير شر؟) وبهذا المنهج ظللت دائما أتحدث عن المخاطر التي تهدد مسار الثورة، ومسار الوطن كله،وذكرت أن مسار الثورة لا يستقيم بغير انسجام المكونين العسكري والمدني، وكنت أشير بذلك إلي المجلس العسكري الانتقالي، قبل تكوين مجلس السيادة، وبين قوي إعلان الحرية والتغيير التي ارتضى السودانيون كلهم تقريبا أن تكون حاملة للواء الثورة باسمهم جميعا، باعتبار أنها التي أحرزت الهدف الذي أسقط حكومة الإنقاذ، رغم أن سقوط الإنقاذ لا يعود الفضل فيه كله لثورة ديسمبر المجيدة، ورغم أن الدور الحزبي في إسقاط الإنقاذ في الحادي عشر من شهر أبريل عام 2019م، يتضاءل جدا أمام الدور الشعبي، فثورة ديسمبر تقدم فيها الشعب علي الأحزاب، وتفوق فيها الشباب غير المنتمين سياسيا وتفوقت والكنداكات علي الحزبيين والحزبيات، بل، قد يتساوى فيها دور القيادات العسكرية علي الحزبية، إن لم يتفوق عليه، ولذلك قلت، ولا زلت اقول أن حفظ التوازن بين مكونات الثورة، لا سيما العسكرية والمدنية، هو الضمان الوحيد لنجاح الثورة، وعبور مرحلة الإنتقال بسلام، وقيام انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة مرضية، تؤسس لبناء سودان جديد.
وأقول اليوم وبأسف شديد أن كل ما حذرنا من وقوعه قد وقع، وصار التنافر والتعارص والتناحر بين مكونات الثورة ظاهرا جليا، وأصبح هو المهدد الأكبر لاستكمال الثورة مسارها حسبما نصت عليه الوثيقة الدستورية، ولقد تجلي ذلك اول مرة، ومنذ شهور الثورة الأولي في طلب أكبر مكونات قوي إعلان الحرية والتغيير، إجراء انتخابات انتخابات مبكرة، وهذا ما نادي به حزب الأمة، وظل ينادي به حتى اليوم، لتجاوز الخلافات الداخلية في قوي الإعلان التي يريد بعضها أن يتجاوز صلاحيات المرحلة الانتقالية، ويحسم قضايا من صميم اختصاص الحكومة المنتخبة.
والأسوأ من الصراع الداخلي لقوي الإعلان، هو استهداف بعض هذه القوي للمكون العسكري علي وجه العموم، ولقوات الدعم السريع بصفة خاصة، ولقائدها الفريق الأول محمد حمدان دقلو  (حميدتي) وبدأ الاستهداف منذ محاولة البعض إلصاق تهمة عملية فض الاعتصام بقوات الدعم السريع، وتطور الأمر إلي الدرجة التي صارت فيها بعض القوي المحسوبة علي الثورة ترفض أي دور لقوات الدعم السريع، هذا الموقف المتحامل جعل قوات الدعم السريع تنسحب من أي موقف إيجابي وتتخلي عنه إذا ما قوبلت مساعيها باعتراضات من بعض شركائهم، ولعل آخر ذلك لجنة معالجة الأوضاع الاقتصادية التي تكونت برئاسة النائب الأول السيد حميدتي، وقوبلت باعتراضات وحملات وإجراءات كثيفة، فانسحب حميدتي، وكان ذلك تحرير شهادة وفاة لهذه اللجنة، وكان الشعب قد بني عليها آمالا عريضة.
دعوة بعض قوي إعلان الحرية والتغيير للتضييق علي العسكريين، ولمحاصرة قوات الدعم السريع، والسعي الي إخراجها من المسرح السياسي بالكامل، بل والي تجريمها ومحاكمتها، جعل آخرين من أهل السودان من السياسيين ، ومن غير السياسيين كذلك يدعون الي حل حكومة الحرية والتغيير، وتشكيل حكومة تكنوقراط حقيقيين تقود ما تبقي من عمر الفترة الإنتقالية، وبعضهم يطالب بتقصير الفترة الإنتقالية.
ورغم قوة مبررات حزب الأمة القومي بقيادة السيد الإمام الصادق المهدي في الدعوة لإنتخابات مبكرة، ورغم منطق الذين يدعون لتكوين حكومة تكنوقراط فاعلة، لكنني لا زلت أراهن علي نجاح هذه الحكومة في استكمال المرحلة الإنتقالية وتجاوز كل تحدياتها، إلا أن ذلك مرهون باستقامة وانسجام مكوناتها، والاعتراف بدور كل مكون، وإعطاء كل ذي حق حقه، والاعتراف بأن السيد حميدتي قد حقق نجاحات في صعد شتي، وأثبت أنه رجل دولة من الطراز الأول، ويجب أن يتعامل معه شركاؤه علي هذا الأساس.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق