الأثنين, 04 مارس 2019 01:39 مساءً 0 467 0
حكومة ايلا وتحديات إصلاح الدولة (3 )
حكومة ايلا وتحديات إصلاح الدولة (3 )

من أهم التحديات التي تواجه الدولة الحديثة أن تكون دولة و ليس دولا أو دويلات أو إقطاعيات أو ما إلى ذلك من الأقوال والأفعال التفكيكية التي طال الزمن أم قصر ستؤدى الى انهيار الدولة و ما يتبع ذلك من أدواء وأنواء يعجز عنها المطبلون والواصفون وربما حتى الشعراء الذين هم في كل وادي يهيمون ويهرفون بما لا يعرفون.
أول تلك التحديات والواجبات والتى أصبحت معلومة بالضرورة لكل ذي لُب وعاقل أن الدولة الحديثة المتحضرة هي دولة قانون . وهذا يعنى أن الناس جميعا سواسية أمام القانون وهو الأصل إلا ما استثني بقانون عقلاني  Ãو الهي أو  استثناء طبيعي أو طارئ وهذا لا يحتاج لشرح أو إبانة. فلا تميز أو امتياز لأحد على آخر قويا كان أو ضعيفا فقيرا أو ثريا أو تمييز بمهنة او خلافها. والناس فى دولة القانون سواسية أمام التزاماتهم نحو الدولة والمجتمع ولا يتميزون أو ينالون امتيازاً فئويا أو مهنياً أو جهوياً أو مكانيا لا يتمتع به الكافة على كافة الصعد. ومن أوضح ما عندنا في دولتنا هذه القوانين والممارسات التمييزية لبعض الفئات ولا يتمتع بها الكافة بلا مندوحة او ضرورة حكمية وتم التوسع فيها بصورة كبيرة فالكل يبحث عن الحصانات والامتيازات والإعفاءات وكل ما جاء مسئول لإدارته أو وزارته أصبح ناطقا رسميا بمطالباتهم للعاملين بها او لم تتم مقابلته لهم وقارنوا فئات ويجدوا الاستجابة الفورية والتى تكون غالبا غير مدروسة وربما تتعارض مع سياسات دولته العامة.
الدولة الحديثة النظامية لا تدار ولا تصدر قراراتها وسياساتها منبريا بل نتيجة دراسات وافية متأنية تتحسب لكل السيناريوهات المُحتملة ووضع ما يقابلها وهو ما يعرف عندنا فى أبجديات التخطيط والبرمجة الحاسوبية ب : What If Else Then ...
الدولة الحديثة دولة نظامية متسقة فى هياكلها  الإدارية والوظيفية والمالية وقوانينها ولوائحها فى ضبط الأداء وÇلمحاسبية وأنظمة المكافآت والترقيات الموحدة ولا تحتمل المفارقات والفوارق الشاذة فى أنظمة الخدمة المدنية الموحدة والتى يسعى اغلبهم إن لم يكن كلهم للخروج منها وإجتراح أنظمة ونظم ومكافآت خاصة بهم دون الآخرين و دونكم فانظروا وقارنوا. انظروا للدول من حولنا وللعالم المتقدم الانجلو ساكسونى البريطانى والامريكى والاوروبى القارى. وانظروا لكل الدول البعيد والقريب. واقصد بذلك الدول المحترمة.... هل سمعتم او قرأتم  فيها بما يسمى بالموارد الخاصة داخل إطار الدولة السنية.
هنالك مبادئ هامة لا بد من ايلائها أقصى درجات العناية والتمحيص والحزم هي عدم التصرف فى الأمانات لمصالح القائمين على الأمر خاصة القيامة على الأموال والموارد الأخرى من أراضى وأموال فى المصارف خاصة وقد راجت أحاديث كثيفة فى هذا الامر من تمويلات لرؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والعاملين وكان ممنوعا قبل ذلك وكذلك فى الإدارات والهيئات المماثلة والعمل على إبطال الثقافة البائسة البائدة سيئة السمعة والمخبر مثل ( عواس السم بضوقوا وجحا أولى بلحم ثوره والزيت ان لم يكفى أهل البيت يحرم على الجيران وهلم جرا) مما أنتج مصطلحات القطط السمان والمتوحشة  والمفترسة وما اليها .
اذا عدنا لاستكمال السياسات الاقتصادية العامة للدولة بالإضافة لما أوردناه سابقا حول السياسات المالية فلننظر فى السياسات النقدية والتجارية والاستثمارية والتى تكون حزمة واحدة متناسقة تسعى لتحقيق التقدم والتطور الاقتصادى والنماء وتحقيق الرخاء للمواطن وحفظ الامن القومى والا تعمل كل سياسة والقائمين عليها باتساق وترابط وتكامل والا ينقض بعضهم غزل بعض.
فى الدول الحديثة لا يستلم احدهم موقعا عاما الا بعد التمحيص العلنى لمؤلفاته وقناعاته وسياساته المتوقعة منه سلفا حتى يعرف الناس جميعا كيف يتصرف ذلك الشخص مستقبلا وكيف يطمئنون الى انه فقط خادم المصلحة العامة ولا غير. ودونكم ما يتعرض له الموظفون الكبار الذين يعينهم الرئيس الامريكى من تمحيص بواسطة الرأي العام واللجان المتخصصة فى مجلس الشيوخ وبعضهم قد يبادر لسحب ترشيحه وبعضهم قد يسحب الرئيس ترشيحه وهذا يكون معروفا ممارسا فى مرحلة الترشيح الاولى قبل إرسال أوراق المرشح رسميا لمجلس الشيوخ لتقييمه ومناقشته حول قناعاته وسياساته المتوقعة منه وبراءته من كل تضارب محتمل للمصالح وبديهي انه يكون قد أوفى أية التزامات ضرائبية نحو الدولة. لماذا لا ننظر فى شئ من هذا ؟  أليس هو الجرح والتعديل وإبراء الذمة ويرفع من مستوى ثقة الناس فى الموظف العام .
قبل أربعة او خمسة سنوات تقريبا كلّف المجلس الاستشاري لوزير المالية وكالة السودان للأنباء بإجراء دراسية فحصية أولية لمدى ثقة المواطن فى الازدهار الاقتصادى السودانى والقائمين عليه وتعاقدت الوكالة لمعهد الدراسات والبحوث الانمائية  بجامعة الخرطوم للقيام  بالدراسة وأوكلت لى رئاسة  الفريق الفنى مع عدد من الخبراء والمحللين من المعهد ومن سونا ومن جامعات ومعاهد اخرى . وقد استطلعنا حوالي الألفي شخص وكانت النتيجة سالبة جدا .وأوضحنا نقاط قوة الدراسة وضعفها وكيف يمكن ان يتم تطويرها وهذا النوع من الاستطلاعات معمول به فى كل العالم المتحضر وحتى على مستوى المهن كذلك ولسنين ذات العدد يتنافس السياسيون وميكانيكيو السيارات والمحامون على أدنى نسب ثقة المواطن اليابانى وربما يختلف الامر عندنا هنا.
السياسات النقدية ومهام بنك السودان المركزي :
ولعل من ايجابيات هيكل بنك السودان المركزي ان رئيس المجلس هو المحافظ اي انه متفرغ تماما لإدارة المصرف ولا يطّلع الفينة بعد الاخرى ولا يسمع بقراراته الا من خلال وسائل الاعلام كما هو الحال عندنا فى مجالس إداراتنا الصورية وبعكس ما هو متبع فى الدول النظامية الاخرى وارى ان يمتد هذا المنحى فى كل المؤسسات مثل اتحاد كرة القدم السودانى الذى يمارس رئيسه البروفيسور كمال حامد شداد مهامه اليومية مع أعضاء المجلس بدأ من نائبه السلطان الدكتور حسن محمد عبد الله برقو .أرجو ان يمتد هذا الحضور لكل أعضاء مجلس الادارة ولا يسمعوا بأخطر القرارات من الصحف او عند حضور التنويرات ربع او نصف السنوية او الشهرية فى أفضل الأحوال وأقلها. واذا كان هذا هو الفهم فلماذا كل ذلك والاكتفاء بالرئيس او المدير وكفى الله الدولة السودانية السنية كل ذلك الجهد والنفقة فى كل مؤسساتها وهيئاتها والتى هي بالأصل وحدات وادارات تم فصلها لأغراض ليس أهمها النفع العام.  
من اهم مهام ومبادئ وأهداف السياسات النقدية والتى يقودها البنك المركزي فى اتساق وليس تبعية مع الإدارات الاخرى ما يلى اختصارا :
الحفاظ على القيمة التبادلية للعملة الوطنية مقابل العملات الاخرى والحفاظ على قوتها الشرائية من السلع والخدمات. وفى الوضع الراهن فى السودان هذا يعنى الرقابة المستمرة فعليا على التطورات فى هذا الجانب وإيقاف التآكل المستمر فى قيمة العملة الوطنية والتدخل المستمر الحازم المدروس.
التأكد من إجراءات فتح الاعتماد لحصائل الصادرات للبنك المركزي اولا ولمصلحة المصدر وضرورة تأكد وزارة التجارة والجهات المعنية الاخرى من الأسعار العادلة للصادر والوارد بدون تبخيس او تعلية وهو امر شائع معلوم للجميع
Just Prices Without Under Invoicing for Exports and Over Invoicing for Imports الامر الذى يزيد الخلل والعجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات  ويزيد الاختلالات فى مؤشرات مكونات الاقتصاد الكلى الاخرى  .
العمل على  المحافظة على مؤشر معيار التضخم السنوى فى الحدود المقبولة والمعقولة وهي نسبة لا تزيد على نصف نسبة النمو فى الناتج المحلى الاجمالي حتى لا تتآكل قيم الموجودات لدى الدولة ولدى الأفراد وحتى لا يجد المواطنون والدولة انهم فى حالة لهاث مستمر للايحاء بمطلوباتهم لأدارة حياتهم الخاصة ومطلوبات حسن إدارة الدولة.
العمل الجاد الدؤوب لاستكمال حاسبة النظم والمعاملات المصرفية خاصة والمالية والتجارية عموما وتحديثها وتطويرها لمواكبة التطورات المتسارعة فى عالم المصارف  والمعاملات المالية والتجارية والإدارية خاصة ونحن نملك قاعدة تقنية متقدمة لتطبيق أنظمة الحكومة الالكترونية والذكية.
العمل على بناء الاحتياطات اللازمة من النقد الأجنبى والذهب لتبلغ على الأقل حد الأمان المتعارف عليه عالميا وهو احتياطى غير مخصص يغطى قيمة واردات ستة الى تسعة أشهر.هذا واجب أساسي ومقدس لا محيد ولا مناص عنه. وكلما زاد عن ذلك كان أفضل وهذا لا يتم إلا بسياسات متناسقة مع كل المنظومة الاقتصادية والسياسية.
الرقابة على الجهاز المصرفي اللصيقة من اوجب واجبات السياسة النقدية وحاديها البنوك المركزية فى كل مكان فى العالم لان المصارف تتعامل أساسا فى ودائع الجمهور وقليل من ذلك هو رأسمال المساهمين و المؤسسين وحمايتها من سوء الاستغلال من النافذين او لغير الأغراض المتوازنة التى تخدم سياسات النمو والاستقرار فى أسواق المال والبنك المركزي فى كل دولة قيم على سلامة أموال المودعين فى المصارف  وضمان أتاحتها لهم متى ما طلبوها ان كانت ودائع تحت الطلب او حسب مواقيتها ان كانت ودائع لأجل واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتنبئهم و مساعدة وتدخل لضمان سلامة الجهاز المصرفي فى البلاد من الدعم الفنى والرقابة حتى وضع المصرف تحت رقابة البنك المركزي او تعيين إدارة تسيير حافظة او توصية بالدمج وحتى الامر بالتصفية فى الحالات الحرجة.
ونواصل ان شاء الله.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق